مع تدشين محطة الطاقة الشمسية في العاصمة عدن تستدعي الذاكرة أفعالاً ممتدة عبر خمسة عقود بدأت بجهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لكسر العزلة التي فرضت على الجنوب بعد استقلاله الأول، لم تكن أيام تحرير عدن في 2015 غير تحالف ستختبره الأزمنة والعصور. فتلك ملحمة لن تُنسى كما أنها عمّقت العلاقة بين عدن وأبوظبي نظير الأداء العسكري الذي أنجز مهمة إنقاذ المدينة وأهلها. تلك الأيام لم تنته بالتحرير فقد مضى الإماراتيون بذراعهم الإنساني في إغاثة الشعب ليستعيد حياته، وهذا الجزء الذي أكد أن هؤلاء القادمين في فزعة كانوا مصممين على أن يكونوا كما كان والدهم زايد إنساناً قبل أن يكون شيئاً آخر. تعاملت الإمارات بواقعية مع الجنوب الذي كان خاضعاً لتوترات سياسية منذ العام 1994 وكان ضحية لجماعة «الإخوان»، الذين تعمدوا تحويل الجغرافية الجنوبية لمستوطنات للتنظيمات الإرهابية.
كانت المهمة الإماراتية التالية بعد تحرير عدن تتمثل في تطهيرها مع بقية المحافظات من تلكم التنظيمات، هذه المهمة اقتضت بالضرورة تأهيل المقاومة الشعبية لتكوين تشكيلات أمنية من أحزمة ونخب مهامها مكافحة الإرهاب وتأمين مناطقها، بانطلاق المهام الأمنية كان الأذرع الإنسانية والإغاثية تقوم بواجباتها في تضميد جراح الناس حتى استكملت العمليات بالكامل وتكشفت معها انهيار المنظومة الاقتصادية.
قطاعات الخدمات شكلت تحديّاً يجب معالجته بشكل فعّال لإعادة إعمار المدينة وتأهيلها، أحد التحديات الرئيسية التي واجهت الإمارات والجهات الداعمة لعملية الإعمار كانت تحسين البنية التحتية للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والنقل، فكانت هناك حاجة ملحة إلى إعادة بناء المستشفيات والمدارس وتأمين وسائل النقل العامة وتحسين شبكات الطرق والكهرباء والمياه، وتطلب هذا التحدي تخطيطًا مستدامًا واستثمارات ضخمة لتوفير خدمات عالية الجودة للمواطنين وإعادة إحياء الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة. بالإضافة إلى ذلك، كان التحدي الاقتصادي ضخماً، حيث تأثرت البنى الاقتصادية المحلية بشكل كبير جراء النزاعات والتوترات السياسية السابقة.
لذا، كان من الضروري وضع استراتيجيات واضحة لتحفيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات وتعزيز القطاع الخاص، وهو ما تبنته الإمارات بشكل فعّال لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الرخاء في المنطقة، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، فقد شهدت عدن جهودا متواصلة من قبل الإمارات وشركائها لتطوير البنية التحتية وتنمية القطاعات الحيوية، وتقديم الدعم اللازم للمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني للمساهمة في إعادة بناء وتعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية. هذه الجهود المستمرة تعكس التزام الإمارات بالتنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي، وتؤكد على دورها الريادي في دعم البلدان المتأثرة بالأزمات والنزاعات لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، يُعدّ تدشين محطة الطاقة الشمسية في عدن علامة فارقة في مسيرة التعاون بين الإمارات والجنوب فهذه المحطة ستُساهم في حلّ أزمة انقطاع التيار الكهربائي، الذي عانى منه أهالي عدن لسنوات طويلة. كما تُمثّل المحطة رمزاً للشراكة الحقيقية بين البلدين، وتأكيداً على التزام الإمارات في الطاقة النظيفة ضمن استراتيجتها الدولية. لقد أثبتت الإمارات العربية المتحدة أنها حليفاً صادقاً لعدن والجنوب .
سيبقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ـ رمزاً خالداً يجسد أسمى القيم النبيلة ونموذجاً للإنسانية الحقة في زمن قل فيه الإخلاص والوفاء.. الجنوبيون وحدهم يعرفون ما قدمته لهم الإمارات، فلقد أمضت الشواهد أكبر من أن تنكرها عيون، وإن كانت مبغضة حاسدة. إن غرس زايد أثمر في عدن كما أثمر في مصر وفي كل أرض. أحسنت الإمارات النوايا فكانت أفعالها كبيرة عظيمة ويبقى لا جزاء لإحسان الإماراتي إلا الإحسان.
التعليقات