انقضى ما يزيد على الخمسة أشهر، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولا يلوح في الأفق، حتى هذه اللحظة ما يشي بقدرة المجتمع الدولي، على وضع حد لحرب الإبادة الجماعية التي تشن بحق الشعب الفلسطيني المظلوم. وكان المؤمل أن يكون قدوم شهر رمضان المبارك، مناسبة لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين، من مختلف الجنسيات، لكن تواطؤ إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، حال دون ذلك.
والأكثر غرابة في هذا السياق، هي تصريحات الرئيس بايدن، بأن الكرة الآن هي في ملعب حركة حماس، وأنها هي التي تضع شروطاً تعجيزية تجعل من وقف الحرب أمراً صعباً. فبغض النظر، عن الاتفاق أو الاختلاف مع سياسة حماس، فإن ما يهم الإدارة الأمريكية، ليس تحقيق وقف إطلاق نار مستدام، في قطاع غزة، بل هدنة مؤقتة، يتم خلالها تبادل الأسرى، وفقاً لآليات تقررها إسرائيل، وتدعمها الإدارة الأمريكية.
لم يعد الأمر، وقف حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها حكومة بنيامين نتنياهو بحق الفلسطينيين، في القطاع، ولا معالجة معاناتهم، ولا التخطيط لإعمار غزة، بعد ما خلفته الهجمة الإسرائيلية من دمار شامل، بل إطلاق سراح المحتجزين، بما يلغي البعد الإنساني، لمشروع الهدنة المقترحة، والتي قيل إن حماس مسؤولة عن تعطيلها.
يبدو أن المجتمع الدولي لا يزال بعيداً عن تحقيق أي خطوة جدية توقف حرب الإبادة، وتسهم في عودة النازحين من جنوب غزة إلى شمالها. وحتى التهديد باجتياح رفح، والذي يقول نتنياهو إن عدم تحققه يشكل نصراً لحماس وهزيمة لإسرائيل، لم يحظ بمعارضة قوية من حلفاء إسرائيل، وكل ما نسمع هو توصيات أمريكية خجولة، بإيقافه، نعلم سلفاً، أنها تأتي من باب ذر الرماد في العيون.
أما المجتمع الدولي، فإنه مشغول بأزماته وقضاياه الخاصة. روسيا بوتين، كما أشرنا في أحاديث سابقة، تستثمر ما يحدث في قطاع غزة، لتصعد من هجماتها في أوكرانيا، وتوسع من عمق وجودها في جمهوريتي لوغانسك ودونيسك. فمنطقة باخموت، التي شهدت هدوءاً نسبياً، في الشهور الماضية، عادت الحرب فيها بقوة.
لقد أدركت إدارة الرئيس بوتين، في الأيام الأخيرة، خطورة ما يجري في قطاع غزة، ووجهت دعوة قبل أسبوعين من هذا التاريخ، لمختلف الفصائل الفلسطينية، لزيارة موسكو، وتمت الزيارة بالفعل، والتقى المسؤولون الروس بالقيادات الفلسطينية، وكان الموضوع المطروح هو وحدة هذه الفصائل، وتصليب دور منظمة التحرير الفلسطينية، على قاعدة رفض العدوان الإسرائيلي، وتصليب الموقف الفلسطيني، من أجل ضمان حق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة، على الأراضي الفلسطينية، التي تم احتلالها في العدوان الإسرائيلي، في حزيران/ يونيو 1967، وتحديداً الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
لقد تنبه الغرب مؤخراً، إلى خطورة انشغال الإدارة الأمريكية، بالحرب على غزة وانهماكها، بتسليح العدوان الإسرائيلي، بما ترك فراغاً كبيراً في الدور الذي اضطلعت به في السابق، بالدعم القوي لأوكرانيا، بالمال والسلاح والعتاد.
في الأيام الأخيرة تحدث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن خطورة ما يجري على الجبهة الأوكرانية ووعد بالتدخل المباشر، لدعم حكومة الرئيس فلوديمير زيلينسكي، حتى إذا تطلب ذلك إرسال قوات فرنسية، لمواجهة الهجوم الروسي، مشيراً إلى تخلي حكومتة عن أي خطوط حمراء تحول دون تقديم المساعدة لأوكرانيا. لكن من المشكوك فيه، تحقيق ذلك، لأنه يعني مواجهة عسكرية مباشرة، بين الروس والفرنسيين، ومن غير المتصور، أن تقدم الحكومة الفرنسية على ارتكاب خطأ كهذا، من شأنه لو تحقق أن يشعل حرباً عالمية، لا يريدها أحد. ولذلك فإنها لن تتعدى لغة التهديد والوعيد.
نائب الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، سخر من تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، حول تخطيه الخطوط الحمراء في دعم أوكرانيا، وأبلغه أن روسيا لن يكون لديها خطوط حمراء، في مواجهة التدخل الفرنسي، وأن على ماكرون تحمل تبعات تصرفاته. ورغم أن التصريحات الفرنسية والروسية، ستظل في خانة الحرب اللفظية، لكن من شأن استمرارها، نشوء حرب باردة بين البلدين، من غير المتصور وجود رغبة للفريقين في اشتعالها.
وبالنسبة للقوة الدولية الأخرى المكافئة اقتصادياً للقوة الأمريكية، الصين الشعبية، فإن موقفها المؤيد للفلسطينيين لا يزال بارداً وخجولاً. إن موقفها في مجلس الأمن الدولي، يتسم بالتأييد للقضايا العربية، ومن ضمنها القضية الفلسطينية، لكن حق النقض «الفيتو»، السيف الأمريكي المسلط على معظم القرارات التي يتبناها المجلس في صالح القضية الفلسطينية، عطل من دوره، وجعل الموقف الصيني يتسم في الغالب بالسلبية، ويخضع بالنتيجة لمصالحه الاقتصادية، ومستوى التبادل التجاري الأمريكي- الصيني. ونأمل من القلب ألا يستمر الموقف الصيني بالتردد، خاصة أن للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة استراتيجية في الحفاظ على العلاقة الصينية وتطويرها، بما يمنح الصين، مجالاً أوسع للمناورة والحركة.
ويبقى التعويل على صمود شعب غزة، ومن خلفه الشعب الفلسطيني بأسره، وتضامن أحرار العالم جميعاً، وفي مقدمتهم الشعب العربي، والشعوب المحبة للسلام، لوقف نزف الدم وحرب الإبادة. فعسى أن يكون الشهر الكريم، مناسبة يوضع فيها حد لشلال الدم، وتتوقف فيها حرب الإبادة، وينتصر السلام.
التعليقات