هل تصدّق؟ رأيتُ طيف ناقد فنّي في المنام، فما إنْ لمحني حتى ثارت ثائرته، وصبّ عليّ جام غضبه. الجام قليل، قل سطل، صاح صادحاً: ما لك يا هذا، كل عام في أواخر شعبان، عندما يصير القمر كالعرجون القديم، تنطلق سهام عمودك شاكّةً شركات الإنتاج، من دون بيّنات ولا حِجاج؟ أمَا لهذا العجاج من انفراج؟ أمَا وراء هذه الدياجي من انبلاج؟
قلت: ويحك، تكلّم لغة الناس اليوم، وإلاّ ظنّوا أن حصان لسانك جمح بك إلى لغات القرون الخالية. من أيّ الثغور أقبلتَ؟ أمن عمّوريّة أم من عين جالوت؟ ثم، ألا ترى أن المنتجين جاوزوا الحدّ، وهدموا كل سدّ؟ قال: ما الذي ذكّرك بالوقعتين أنّ كلتيهما وقعت في هذا الشهر الفضيل؟ صحيح أن الحياء، حيّاه الحَيَا، لم يعد من شيم الأحياء. ما أحسبك إلاّ مازحاً. هل تريد أن يحشد معتصم جديد جيوشاً جرّارةً، بينما العالم العربي لا يملك شاعر حماسة يسير في ركاب الخليفة، لينشد رائعةً في مستوى بائيّة أبي تمام، عند الفتح؟ ومن أين ستأتي بنظير سيف الدين قطز في عين جالوت، والأمّة تصنع في كل يوم لضحاياها في غزّة مئة تابوت؟
قلت: لهذا نحن نحلم رفضاً للواقع. قال: أخطأتَ، فقد فاتك الجناس الفكري الفلسفي في العربية، فالأحلام تعني ما يراه النائمون، وتعني العقول أيضاً. إنما تقاس الأحلام على مقدار العزائم والهمم. قال: إنكم يا بعض الإعلاميين تظلمون قوم الإنتاج الفنّي. ماذا تقول للمنتج إذا صرخ في وجهك: «أأنا العاشقُ الوحيد لتُلقى.. تبعاتُ الهوى على كتفيّا؟» أنت تطالب شركات الإنتاج بأروع روائع الإبداع، بينما أربعة أخماس العالم العربي، اقتصادات كسيحة، تنميات متعثرة، خرائط ممزّقة، جوع وبطالة وانعدام أمن، «مسالك متعارضة»، «مشارب متناقضة»، مناهج قديمة، صحة غير سليمة، بُنى تحتيّة متهاوية، قطاعات لا متوازنة ولا متوازية، المؤسسات العلمية غائبة أو خائبة، وتريد أن يكون الإنتاج الفني في القمّة، يصوّر خير أمّة، بالذمّة؟
قلت: قد يراك البعض محقّاً في هذا المَحْق. بعض المنتجين لهم عقول تزن بلداً، حين يكون البلد لا وزن له. هم يطرقون أشياء لا تمتّ إلى قضايا العالم العربي بصلة، خشية الوقوع في المحذور، وهكذا يكون الهجوم خير دفاع، يصبح المشاهد هو من لا يفهم وليس في مستوى الفن للفن.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: من السهل أن تتذرّع شركات الإنتاج والفضائيات بأن ليس من وظيفتها تفريخ أمثال المعتصم وقطز.
التعليقات