كان الأديب المصري القاص محمد المخزنجي المولود في العام 1950 في مدينة المنصورة، قد أتمّ التاسعة والستين من عمره، حين قال له محاوره أسامة الرحيمي، في حوارٍ أُجري قبل بضع سنوات: «من يراك لا يصدق أنك وصلت إلى هذا العمر، فكيف ترى هذا وأية أفكار يحملها لك هذا العمر إذا كان ذلك حقيقياً؟».
الحوار مع المخرنجي واحد من عشرات الحوارات التي أجراها أسامة الرحيمي مع أدباء وشعراء ومثقفين مصريين وعرب، جمعها في كتاب بعنوان «بوح المبدعين».
جاءت إجابة المخرنجي على السؤال بليغة ببلاغة أديب متميّز مثله. أفاد بأنه بالفعل أتمّ التاسعة والستين، لكن يدهشه كثيراً، على المستوى النفسي، أنه لا يشعر بالشيخوخة، حتى وإن لم يكن يعلم إلى أي مدى من الزمن سيستمر هذا الشعور، «فثمة بدايات لمتغيرات خارج النفس التي لا تزال خضراء، وهذا يوقفني موقف من يتسنّم قمّة ضيقة حادة، ينظر فيها إلى الخلف بافتقاد ويرنو فيها إلى الأمام برهبة، فيدرك بأسى – مهما كانت شجاعته الروحية – أن ما هو آتٍ أقل مما فات، ولعله يُعزّي نفسه بأنه في الكثير الذي فات أنجز شيئاً معقولاً، ويُمنّي النفس بأن ينجز في القليل المتبقي ما يسلس الرحيل».
منذ طفولته ونشأته وشبابه في المنصورة، مدينته التي أحبها ولم يغادرها إلى القاهرة إلا وهو في الثامنة والثلاثين في عمره، وما زال مسكوناً بالحنين إليها، عاش محمد المخرنجي حياة صاخبة، هو الذي جمع، في البداية، بين الأدب والسياسة والطب النفسي، كونه طبيباً في الأمراض النفسية والعصبية، وهو التخصص الذي نجد له انعكاساً في أدبه القصصي، وتحضرنا هنا قصته «رق الحبيب»، التي اختار عنوانها ليكون عنوان مجموعة قصصية له صدرت قبل سنوات قليلة، وتحكي عن رجل بدأ حياته موسيقياً، ليجد نفسه، لاحقاً، في مصحة نفسية أقام فيها عشرين عاماً لتردي صحته النفسية.
بعد صخب وجموح الشباب وربما ما تلاه أيضاً، آثر المخزنجي أن يُحوّل جموحه الخارجي إلى الداخل، داخل النفس، ربما لأنه أدرك أنه في جوهره «شخص خجول، محبّ للهدوء ونافر من الضوضاء والصخب»، حتى إنه يرى بأن اندفاع الشباب وجموحه المبكر ما كان إلا نوعاً «من الدفاع النفسي ضد انتهاك كرامة هذا الخجل بالإهانة أو الاستهانة أو الادعاء». وكون المخرنجي، كما أسلفنا، طبيباً نفسياً، فإنه استطرد في شرح فكرة الصخبين الخارجي والداخلي، قائلاً إن علم النفس يسمي من هم في الخانة الثانية بالانطوائيين، لكنّ ثمة اصطلاحاً جديداً يصفهم ب«الحساسين»، والأدق القول عنهم إنهم خجولون، لكنهم ليسوا نمطاً واحداً، «فالنفس الإنسانية مثل بصمة الأصابع غير متكررة».
التعليقات