منذ عملية "طوفان الأقصى" تبدلت أهداف حركة "حماس" مع تبدل الواقع على الارض. ومنذ أن اطلق "حزب الله" ما سمّاها حرب "المشاغلة" تبدلت أهدافه تبعاً لما فرضته الوقائع على الأرض. "حماس" انتهت بعد ستة أشهر الى حصر التفاوض بوقف اطلاق النار، ادخال المساعدات الإنسانية الى غزة، واعادة النازحين الى منازلهم. وعلى رغم ان القرار 2728 الذي أصدره مجلس الامن الثلثاء الماضي اعتُبر انتصارا ديبلوماسيا على إسرائيل، غير انه لم يقتصر على طلب وقف فوري لإطلاق النار، بل تضمّن بندا يطلب اطلاق سراح غير مشروط لجميع الرهائن الإسرائيليين. ومع ذلك لن ينفّذ القرار لان الطرفين إسرائيل و"حماس" ماضيان في مسار المناورة حتى اللحظة الأخيرة، مما يعني ان الحرب مستمرة في غزة، وان "حماس" ربما يهمّها ان تستدرج الجيش الإسرائيلي الى معركة فاصلة اخيرة في رفح قد تنقلب فيها اللعبة ضد إسرائيل، أولاً بسبب تعقيدات الكثافة البشرية على الأرض، وثانياً مع ارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين، وثالثاً مع اشتداد الحملة الدولية ضد حرب إسرائيل. في المقابل، تريد إسرائيل تحقيق انتصار واضح من خلال معركة رفح وتقويض آخر معاقل حركة "حماس" في غزة. بمعنى آخر انهاء وجودها بشكل أو بآخر في القطاع.
من ناحيته، يبدو "حزب الله" في ضياع بعدما تغيرت سرديته. فقد تنقّل من مساندة غزة وحركة "حماس"، الى استكمال تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، الى استباق حرب إسرائيلية مقررة ضد لبنان، الى ربط حرب "المشاغلة" بحرب غزة من دون نقاش. بمعنى آخر ان الحزب المشار اليه قدم المبررات تلو المبررات وفي النهاية وضع نفسه وبيئته وبقية اللبنانيين في مرمى الخطر الكبير من احتمال نشوب حرب واسعة ومدمرة. وفي النهاية ما عاد خطاب "حزب الله" وامينه العام مقنعاً لغالبية عظمى من اللبنانيين، وما عادت جحافل الجيوش الالكترونية التي جنّدها على مواقع التواصل الاجتماعي قادرة على تغليب وجهة نظره في الفضاء الافتراضي. وانتهى به الامر الى افتعال توترات لا لزوم لها مع السكان المحليين من بيئات أخرى في الجنوب من الذين يرفضون حرباً لا علاقة لهم بها، ويجاهرون بموقفهم السلبي إزاء سلوك فريق ذهب بعيدا في ازدراء بقية اللبنانيين.
إن كل يوم يمر ويتمسك فيه "حزب الله" بحربه غير المعقولة، ترتفع خسارته بين البيئات اللبنانية الأخرى. ونحن هنا لا نتحدث عن البيئة المسيحية ولا حتى البيئة الدرزية. نتحدث ايضا عن البيئة السنّية التي لا يختصرها تهوّر جناح في تنظيم اسلامي، ولا تملق مسؤولين رسميين ونفاقهم. نحن نتحدث عن موقف وطني كبير في قضية تعريض لبنان بأسره عنوة وبالإكراه للخطر الشديد، ومحاولة استدراجه الى حرب لا يريدها أحد.
على "حزب الله" ان يعيد حساباته، فيوقف اللعب بمصير لبنان واللبنانيين. وعليه ان ينظر في العمق وبعيدا عن العمى الأيديولوجي الذي يعاني منه ليرى ان الطلاق النفسي، الثقافي والسياسي بينه وبين معظم اللبنانيين قد تم بشكل أو بآخر. وما بقي على الطاولة موقتا هو مصالح الطاقم الحاكم التي تعبّر عن قلة وليس عن اكثريات في البيئات اللبنانية التي صارت في مكان آخر.
التعليقات