قلت للقلم: مالك طائراً كأنك ظفرت بمفاتيح الجنان؟ قال، وقد عقدت البهجة لسانه: سمعتُ صوتاً صارخاً في السَّحر، لا أحسبه إلاّ استغاثة أقدر ممثلة عربية، أجل ولا ريب، هي، صاحت: وافنّاه! قلت: مسكينة، لعلها كانت محمومةً تهذي، فتلك الآه حتى لو أطلقتها بغداد، لم تجد معتصماً يعصمها من الأهوال الجيوسياسية. اليوم، الخريطة التركية، التي تقع عليها عمّورية، هي التي تضرب العراق وسوريا.

قال: سرحتَ بعيداً يا هذا، فقد وجدتِ المستنجدةُ ملاذاً. فما كاد الصبح يتنفس، حتى ظهرت طلائع رجال الأعمال، من كل فجّ عميق، من بلاد العُرْب أوطاني. حين أصبح الصباح، احتشدوا في البطاح، نادى أحد كبارهم: القطاع العام نام، فتثاءبتِ الثقافة واضعةً رأسها على الوسادة الخالية، فالقطاع الخاص هو الخلاص، وإلاّ فلا مناص. أنتم تعرفون أن «الحضارة هي الطبيعة يضاف إليها الإنسان»، وأن «الثقافة هي ما يبقى عندما يذهب كل شيء». هل تتوهّمون أن 90% من الأعمال المحسوبة على الفنون، المعروضة المفروضة، يمكن أن تجعل من المدنيّة حضارة؟ أغلبية المؤسسات الثقافية، التابعة للقطاع العام في التنميات المتعثرة، تفتقر إلى الإدارة الفائقة، التي تستطيع أن تحوّل مكوّنات الثقافة إلى مشاريع اقتصادية.

قلت: كلام معقول، ليس لديّ في ردّه ما أقول. من مؤسفات الدهر أن يكون البنيان الثقافي المصيري لأربعمئة مليون نسمة، في عهدة شركات إنتاج فني صغيرة محدودة في كل شيء، في ميزانياتها الضئيلة التي تساوي نثريات الأمريكية، الأوروبية، اليابانية، الصينية، الكورية. محدودة في اختيار طواقم العمل، من السيناريو إلى الإخراج والتمثيل. هكذا يكون الإنتاج محدود الأبعاد مهيض الجناح، لا ترضاه لمشاهديها البلدان المتقدمة، ولا تقنع به إلاّ تلك التي «وإذا تُردّ إلى قليل تقنعُ». أمّا إذا قرر كبار القطاع الخاص، المؤلفة رؤوس أموالهم، أخذ زمام المبادرة في إنتاج الفنون لشعوب العالم العربي، ورجال الأعمال متشكلون من كل البلدان العربية، فسوف يرسمون خططاً عربيةً، لها مطامح عربية. عندئذ ستكون منظومة القيم الثقافية في الإنتاج عربية الوسائل والغايات.

قال: هل خطر على بالك أن هذه المعجزة لو تحققت، لصار غير مستبعد أن تحدث معجزة مماثلة في وسائط الإعلام؟ وما دامت الأحلام بالمجّان وليس عليها مُكوس ولا ضرائب ولا جبايات ولا إتاوات، فلمَ لا يمكن انصراف الذهن إلى التفكير في طبخة رائعة لأنظمة التربية والتعليم؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الصحوية: قلت للقلم: اصح يا نايم، قال: قد أفقنا ليت أنّا لا نفيق.