تحولت رفح إلى حالة انتظارية ما بين الإصرار الإسرائيلي على تدميرها وإلحاقها بما سبقها من محافظات قطاع غزة، وبين المخاوف الأمريكية التي تسعى لتجنيب المدنيين كارثة إنسانية غير محتملة بعد مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين خلال الحرب المتنقلة في مختلف أنحاء القطاع.

من حيث المبدأ، تتشارك واشنطن وتل أبيب الهدف نفسه، وهو القضاء على الفصائل الفلسطينية، ولكنهما تختلفان في الأسلوب والطريقة التي سيتم بها تحقيق الهدف. فواشنطن تريد خطة إسرائيلية لنقل المدنيين إلى مناطق «آمنة» قبل القيام بعمليات نوعية جزئية بناء على معلومات استخباراتبة، إضافة إلى تنسيق وغرفة عمليات مشتركة. بينما تتمسك إسرائيل باجتياح كامل للمدينة، على غرار المناطق الأخرى، لتدمير آخر المعاقل الفلسطينية وإطلاق سراح الأسرى المحتجزين، وفق قولها، من دون أن تعبأ كثيراً بمصير مئات آلاف النازحين الذين لجأوا إلى المدينة باعتبارها آمنة وفقاً للجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، تتحدث واشنطن عن أن إسرائيل وافقت، مؤخراً، على أخذ مخاوفها الأمنية بعين الاعتبار، لكن الموضوع لا يزال قيد المتابعة.

إذ طرح المسؤولون الأمريكيون، وفق ما أعلن، مقترحات لخطط بديلة لاجتاح رفح شملت «خطة لعزل المدينة براً وبحراً بواسطة الجيش الإسرائيلي، وتأمين الحدود مع مصر، بما في ذلك وضع كاميرات مراقبة، وأجهزة استشعار عند الحدود المصرية مع رفح الفلسطينية، وبناء جدار بعمق كبير ووضع أجهزة تكنولوجية متقدمة لمنع أي عمليات تهريب محتملة».

اللافت أن هذا الحديث ترافق مع ما نقلته «رويترز» عن أن واشنطن تدرس صفقة تسليح أمريكية لإسرائيل بقيمة 18 مليار دولار، تشمل عشرات الطائرات من نوع «إف 15» وذحائر وغير ذلك. فهل يعني ذلك محاولة استرضاء إسرائيل للقبول بمقترحاتها، أو استرضاء الناخب الأمريكي الذي تخشى واشنطن أن يقوم بتدفيع إدارة بايدن ثمن هذا الدعم في صناديق الاقتراع والخروج من البيت الأبيض. والأسوأ أنه لا يوجد أي ضمانة لامتثال نتنياهو لأية التزامات محددة؛ إذ إنه يصّر على اجتياح رفح رغم معارضة المجتمع الدولي بأسره، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك حين قيد نفسه وتعهد للإسرائيليين مراراً وتكراراً بالقيام بهذه الخطوة، رابطاً بين بقاء رفح والتهديد الوجودي لإسرائيل، ومعتبراً أن ما يسميه «النصر المطلق» لا يتحقق إلا باجتياح رفح وتدميرها، وما عدا ذلك سيعني خسارة إسرائيل للحرب.

والواقع أن نتنياهو يخدع الجميع، بمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم، الذين استفاقوا أخيراً على توظيفه الحرب لإدامة بقائه في السلطة، وها هم الآن يملؤون الشوارع للمطالبة برحيله..

فلا رفح تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، ولا «النصر المطلق» الذي يتحدث عنه سيتحقق باقتحامها، إلا إذا كان مفهوم النصر لديه هو إضافة عشرات آلاف آخرين من الفلسطينيين إلى قائمة ضحاياه، بعد أن ثبت فشله طوال ستة أشهر في تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب.