قبل أربعة أشهر، استقبل محافظو البنوك المركزية الآسيوية العام الجديد بيقين في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض سعر الفائدة القياسي عدة مرات على مدار عام 2024، إلا أن توالي البيانات الاقتصادية المفاجأة في الولايات المتحدة، مثل: معدل نمو الوظائف والتضخم، والتي جاءت أقوى من التوقعات، دفعت قادة البنوك الآسيوية إلى تقليص توقعاتهم السابقة، حيث يعتقد بعضهم الآن أن أسعار الفائدة الأميركية ستبقى ثابتة حتى عام 2025، وهذا الأمر، لو حدث، سيشكل ضربة قوية للبنوك الآسيوية، باعتبار أنها تتصدر خطوط الدفاع الأمامية في مواجهة تحولات السياسة النقدية في الولايات المتحدة، ولذلك، أصبح السؤال الأكثر إلحاحاً بين المصرفيين الآسيويين هو: متى؟ وإلى أي مدى سيتم خفض أسعار الفائدة؟ وهذا يعني ببساطة أن 2024، أصبح بالنسبة للبنوك الآسيوية، عاماً محورياً في خفض الفائدة.
والواقع، أن بقاء أسعار الفائدة الأميركية مرتفعة، لفترات أطول، يزيد من صعوبة قيام البنوك الآسيوية بخفض أسعار الفائدة من دون أن يؤدي ذلك إلى ضعف عملاتها بشكل كبير أمام الدولار، وبالنسبة للصين، فإن انخفاض سعر الصرف يشكل خطراً حاداً، لأن ضعف اليوان يصعب من مهمة مطوري العقارات المتعثرين في مواكبة مدفوعات السندات الخارجية، مما يهدد بتخلفهم عن السداد، من جهة أخرى، فإن اشتعال جبهة قطاع العقارات الصيني سيسرق الكاميرا من الانتخابات الأميركية، لأن تحجيم الصين والتعامل الصارم معها، يظل الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الفرقاء السياسيين في الولايات المتحدة، والذين يستعدون لعملية انتخابية حامية الوطيس في شهر نوفمبر المقبل، بالإضافة إلى أن غموض الجدول الزمني للفيدرالي يعقد الأمور بالنسبة للبنوك الآسيوية التي تفكر في خفض الفائدة.
ينذر تهاوي قيمة العملات الآسيوية، بهروب رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ضرب سوق الأسهم، وزيادة عوائد السندات الحكومية، في الوقت الذي يراهن فيه المستثمرون على تراجع العملات الآسيوية مقابل الدولار، وفي مقدمة المتضررين، تأتي عملات: البات التايلاندي، والروبية الإندونيسية، والوون الكوري الجنوبي، والدولار التايواني، فيما يواجه الرينجيت الماليزي عاماً صعباً للغاية، إذ يتم تداوله بالقرب من أدنى مستويات الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، لدرجة أن البنك المركزي الماليزي اضطر، الشهر الماضي، إلى تثبيت أسعار الفائدة، لتجنب الضغوط على العملة المحلية، رغم مخاطر تباطؤ النمو، وعلى الخطى نفسها، يسير الين الياباني، الذي يتم تداوله عند أدنى مستوى منذ عام 1990، بالإضافة إلى هناك مخاوف حقيقية من قيام الصين بخفض اليوان لتعزيز صادراتها ومعالجة الانكماش، مما يهدد باضطرابات أوسع في السوق الآسيوية.
منذ نهاية التسعينات، نجحت الاقتصادات الآسيوية في تعزيز أنظمتها المالية، فأصبحت بنوكها أكثر شفافية وديناميكية، بينما انهمكت الحكومات في مراكمة احتياطيات هائلة من النقد الأجنبي، ومع ذلك، تظل الدول الآسيوية متمركزة بشدة حول الدولار، لأنهم يعتقدون أن إمبراطور العملات يعمل كمغناطيس هائل، يجذب رؤوس الأموال من كل الجهات إلى السوق الأميركية، مستفيداً من عاملين أساسيين، الأول: هو القوة المبهرة لأقوى اقتصاد في العالم، والسبب الثاني: يكمن في فروق العوائد بين سندات الخزانة الأميركية، وأدوات الدين الآسيوية، والحقيقة، أنه كلما اتسعت الفجوة، كلما أصبح من الصعب على البنوك المركزية الآسيوية أن تحافظ على هدوء الأسواق المحلية، ومع تفاقم مخاطر الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، وإرهاصات التحول التدريجي عن الدولار، وتجاوز الدين الأميركي عتبة الـ34 تريليون دولار، فإن هناك مخاوف حقيقية من قيام الفيدرالي بتنفيذ سياسات نقدية تعقد حياة الناس في آسيا، ربما بطريقة أسوأ مما يتوقعه الخبراء الاقتصاديون.
التعليقات