ما أكثر أغاني السيدة فيروز الشهيرة التي أحببناها ونحبّها التي اعتقدنا أنها من ألحان الأخوين رحباني، كون فيروز هي الضلع الثالث في المثلث الرحباني، شعراً ولحناً وغناءً، وكوننا اعتدنا أن الرحبانيين، عاصي ومنصور، هما من لحّنا ما كتبا من كلمات لتغنيها فيروز، ولكن فيلماً وثائقياً قصيراً بُثّ على قناة «الجزيرة الوثائقية» عن الموسيقي فيلمون وهبي سيفاجئ الكثيرين بأن أغنيات فيروزية مثل: «يا مرسال المراسيل»، «يا دارة دوري فينا»، «على جسر اللوزية»، «كتبنا وما كتبنا»، «جايب لي سلام»، «ليلية بترجع يا ليل»، «يا كرم العلالي»، «أنا خوفي من عتم الليل»، «فايق يا هوى»، وغيرها هي من ألحان فيلمون وهبي، وإن كان الأخوان رحباني هما من كتب كلماتها أو كلمات معظمها.
في شهادة مؤثرة وحميمة ومنصفة في حق فيلمون وهبي المغبون، حين نسبت أجمل ألحانه، جهلاً، إلى الأخوين الرحباني، نستمع في بداية الفيلم إلى رسالة بصوت فيروز بمثابة تحيّة لفيلمون، وفيها تقول بلهجتها اللبنانية: «فيلمون شيخ الملحنين. بياخذ العقل، بحبْ شعره وتمثيله وشكله وقت اللي بينسى وهو يسمعني اللحن. أنا بعرف فيلمون اللي جوا كمان، حسّاس كثير، وحزنه هو اللي بيخلق ألحانه مش ضحكه».
حسب الباحث في الموسيقى والأغنية إلياس سحّاب فإن فيلمون وهبي ولج عالم التلحين في نهاية الثلاثينات وعقد الأربعينات وبداية الخمسينات، فسبق زكي ناصيف وتوفيق الباشا والأخوين رحباني. قبل أن يلحن لفيروز لحّن لنجاح سلام وصباح وغيرهما. لاحقاً توطدت علاقته مع الأخوين رحباني وشارك في التمثيل في مسرحياتهما الغنائية بأدوار رئيسية، كونه ممثلاً كوميدياً مرحاً وخفيف الظل، وأخذ في تلحين بعض ما احتوته تلك المسرحيات من أغنيات لفيروز، هو القائل إن أجمل ألحانه والتي تعبر عن إحساسه خصّ بها فيروز، فبفطنته وحاسته الموسيقية أدرك فرادة صوتها وشخصيتها، ورغم أن فيلمون لم يدرس «النوتا» الموسيقية، لكن عبقريته، وبالفطرة، صنعت ألحانه الجميلة، التي عليها يصح وصف «السهل الممتنع»، لتصنع أرقّ وأعذب الأغنيات.
في ظروف الحرب الأهلية التي عصفت ببلده لبنان، وجد «شيخ الملحنين» نفسه مضطراً إلى الرحيل عن ضيعته «كفرشيما» التي كان متعلقاً بها وبأهلها، وفيها تفتحت مواهبه في الموسيقى والتمثيل والغناء، وسبب له ذلك الكثير من الألم، قبل أن تسوء صحته، وكانت آخر أغنية لحنها لفيروز هي «يا ريت مِنُن مدّيتُن إيديّي وسرقتك/ لأنّك إلن رجّعتن إيديّي وتركتك»، من كلمات جوزيف حرب، وغنتها في عام 1985، لتغدو من أجمل أغانيها المتأخرة، وتنتهي بالبيت القائل «وشو قالوا يا عمر حلو ما دقتك»، لتكون بمثابة تلويحة الوداع من «شيخ الملحنين» لا لفيروز وحدها وإنما لكل محبيه.
التعليقات