هل ثمّة شك في أن وجود دوائر استشرافية في أنظمة التعليم العربية، هو أثمن استثمار لمستقبل أفضل؟ الآن، ما هو المرمى الاستشرافي الضروري لدى واضعي المناهج؟ إنه اللقاء الحضاري بين العلوم الإنسانية والعلوم التجريبيّة. هو حتمية تاريخية. أنظمة التعليم التي لا تضع ذلك في الحسبان والتخطيط المستقبلي، ستكون قد قصرّت كثيراً في خدمة أوطانها. هذه أمانة تاريخية.
لن يكون ممكناً بعد ثلاثة عقود تصور علم الآثار بلا علوم تطبيقيّة. نتحدث عن عالمنا العربي، الذي تحتاج أكثرية بلدانه إلى بضعة عقود، لكي تعود إلى حالها قبل بضعة عقود. أمّا الدول المتقدمة في البحث العلمي، فعلم الآثار لديها واحد من منظومة عشريّة العلوم أو أكثر. قبل عقود بلغت تلك المراكز العلمية عوالم العلوم المتعددة التخصصات. على سبيل التمثيل لا التأثيل: مجلة «تاريخ وحضارات» الفرنسية، أصدرت سنة 2017 عدداً ملفّه الرئيس: «العلم يعيد قراءة الكتاب المقدس»، تجاوبت فيه الإناسة والإحاثة والتاريخ والبيولوجيا وطبقات الأرض وعدد من العلوم الأخرى.
لا بأس بالاستطراد الفكري، سوف تزداد البراهين على أن العلوم تسير من التوازي في التخصصات، نحو التناغم والتكامل إلى حدود الوحدة الاندماجية. المنظومة المتداخلة المتناغمة في مجال التاريخ والآثار، قد يتطور البحث العلمي فيها مستقبلاً، إلى أن تصير كوكبة أدواتها المختلفة في متناول باحث واحد. لا بدّ من أن يضيف الاستشراف المناهجي إلى حساباته، ما سيلعبه الذكاء الاصطناعي من خوارق الأدوار. قد يغدو المؤرخ مدجّجاً بمجموعة من الروبوتات في تخصصات مختلفة، وقد يصطحب روبوتاً إلى المواقع الأثرية، وخيال القارئ وسيع.
على المناهج أن تضع سيناريوهات استشرافية لمستقبل علاقات العلوم الإنسانية بالعلوم التطبيقية، لأن هذه الروابط لها دلائل لا تحصى في أيامنا في الدول المتقدمة. يكفي أن ندرك أنه في أوائل القرن العشرين، كان علم الفلك مصطلحاً سائداً، وسرعان ما أطاحته الفيزياء الفلكية، التي تشعبت فروعها ضمن علوم الكون، وتعددت التخصصات إلى أن صار العلماء يتحدثون عن بيولوجيا الفضاء أو الكون، خارج الكرة الأرضية، بالتالي انضمت عشرات العلوم لتشكل أوركسترا، بعدما كان علم الفلك عازفاً منفرداً.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستدراكية: قد يعتري هذه المشاريع الإحباط جرّاء الأوضاع العربية، لكن، على التربويين أن يعملوا لغد الأجيال، وكأن بلدانهم بخير.
التعليقات