ألّفَ الأقدمون في الأخلاق أمثال: الجاحظ (255هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق)، وابن حبان البستي (354هـ) في كتابه (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)، ومسكويه (421هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، وابن حزم الأندلسي (456هـ) في كتابه (الأخلاق والسير)، أو (رسالة في مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذيلة)، وابن عبد البر القرطبي (463هـ) في كتابه (بهجة المجالس وأنس المجالس)، وابن الجوزي (597هـ) في كتابه (صيد الخاطر)، وغيرهم.

وقد برع بعض أدباء العصر الحديث في الكتابة عن الأخلاق بشكل أدبي رائق، وأسلوب فني شائق، فهذا مصطفى لطفي المنفلوطي (ت 1924م) في كتابه (النظرات) يتحدث عن بعض الأخلاق الفاضلة في خطاب سردي، يقول مثلاً: «كل الناس يدّعي الفضيلة وينتحلها، وكلهم يلبس لباسها، ويرتدي رداءها، ويعد لها عدتها (...) إن كان صحيحًا ما يتحدث به الناس من سعادة الحياة، وطيبها، وغبطتها، ونعيمها، فسعادتي فيها أن أعثر في طريقي في يوم من أيام حياتي بصديق يَصدُقني الود، وأصدقه، فيقنعه مني ودي وإخلاصي، دون أن يتجاوز ذلك إلى ما وراءه من مآرب وأغراض..».

وهذا مصطفى صادق الرافعي (ت 1937م) لا يخلو خطابه الأخلاقي من أدبية فائقة، فمن ذلك مثلاً قوله: «لو أنني سئلت أن أجمل فلسفة الدين الإسلامي كلها في لفظين، لقلت: إنها ثبات الأخلاق، ولو سُئِل أكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كله في حرفين، لما زاد على القول: إنه ثبات الأخلاق، ولو اجتمع كل علماء أوروبا ليدرسوا المدينة الأوروبية، ويحصروا ما يعوزها في كلمتين لقالوا: ثبات الأخلاق».

وفي كتب الرافعي الأخرى نجد كثيراً من الخطابات الأخلاقية الرائعة، كما في (حديث القمر)، و(رسائل الأحزان)، و(أوراق الورد)، و(السحاب الأحمر)، ويتميز الرافعي بأنه عميق الوصف في خطاباته الأخلاقية حتى تلك التي لا يضع لها عنواناً أخلاقياً، كالــ (السحاب الأحمر)، وغيره.

ويعد الأديب والمؤرخ المصري أحمد أمين (1954م) من الذين خصّوا الخطاب الأخلاقي في مؤلف مستقل، وذلك في كتابه (الأخلاق)، ولعل الذي يلفت الانتباه في هذا الكتاب هو أنه لم يتعامل مع الأخلاق كما تعامل معها المعاصرون من زاوية (فلسفية)، وإنما نهض عليها بشكل تربوي، حيث بيّن أهمية الأخلاق العملية قبل الفلسفية؛ لذا ركّز بشكل رئيس على مفاهيم أخلاقية فاعلة، كالضمير، والعدل، والصدق، والطاعة، والتعاون.

وإذا انتقلنا إلى الأديب المصري عباس محمود العقاد (1946م) فإن أول ما يلفت الانتباه في أدبه (عبقرياته) التي أقامها على أساس من الأخلاق الفاضلة، والقدوات الحسنة، كما في: عبقرية محمد، وعبقرية الصديق، وعبقرية عمر، وعبقرية عثمان، إضافة إلى كتب أخرى في السير الأخلاقية، كالــ(الصديقة بنت الصديق)، وغيرها.

وتجد الإشارة إلى أن الخطاب الأخلاقي عند المعاصرين، لم يختص بشخصيات دينية، أو إسلامية فحسب، وإنما توجه - أحياناً - إلى غير ذلك؛ لأن معياره السمو، والأخلاق الفاضلة؛ ولهذا رأينا العقاد - مثلاً - يتحدث عن الهندي (المهاتماغاندي)، والأمريكي (بنجامين فرانكلين)، والإنجليزي (برنارد شو)، وغيرهم.

على أن مفهوم الأخلاق أخذ يكتسب طابعاً فلسفياً لدى الغربيين، كالألماني (إيمانويل كانط)، ومواطنه (آرثر شوبنهاور)، والإنجليزي (برتراند راسل)، وغيرهم، وصار بعضهم يربط الأخلاق بالقانون على نحو ما كان ينظّر له (كانط) في عبارته (الشهيرة) التي يقول فيها: «شيئان يملآن نفسي إعجاباً واحتراماً: السماء المرصّعة بالنجوم فوقي، والقانون الأخلاقي في أعماقي».