ظهرت على السطح مفردتا: «قص ولصق» حديثا كتهمة لمن يقوم بنقل مادة معرفية من غير التوثق من تلك المعلومة.

ولكي أرفع التهمة عمن يقوم بهذا الفعل، علي أن أؤكد بأن هذا الفعل ليس حديثاً، بل هو فعل ثقافي قديم، حينما كانت تؤلف الكتب، وتتحول النسخة الأولى للكتاب الأم إلى كنز يتم استلابه من قبل المؤلفين التالين له، ومن يقرأ الكثير من الكتب القديمة -التي يقال عنها أمهات الكتب- سوف يجد أن بعضها يكون منسوخا بالحرف ومن غير الإشارة إلى أن المكتوب مأخوذ من كتاب سابق له بسنة أو بمائة سنة، وما كان يحدث سوى عملية (قص ولصق).

وهؤلاء المؤلفون (اللصيقة) لم يكن ينصب عليهم اللوم؛ بحجة أن ما فعله (اللاصق) سوى رغبة في تعميم الخير بنقل الكتاب المنسوخ مرة أخرى.

ومعضلة (القص واللصق) في أمهات الكتب أنها تعيد المعرفة بعلاتها من غير تمحيص أو تدقيق في المعلومة، وهذا الفعل أحدث تراكماً من الأخطاء، أصبح إزالته من الصعوبة بمكان، وأصبحت مقولة «خطأ شائع خير من صواب مهجور» هي القاعدة التي نتحرك عليها..

لنقف لحظة، سمعت أحدكم يقول:

- «اش الذي حذفك هذه الحذفة»..

حسنا، سوف أخبركم سبب هذه (الحذفة): من الأمور المغرم بها متابعة الدراما التاريخية، ومع كل مسلسل تاريخي أجد أن الأخطاء الشائعة تتكرر على الشاشة كما هو حادث في كتب (القص واللصق)، ومؤخراً شاهدت مسلسلاً تاريخياً (30 حلقة) وفي كل حلقة تتصدر أسماء المستشارين وهم شخصيات اعتبارية تحمل الشهادات العليا كمجيزين وموافقين على صحة ما جاء في المسلسل، ومع كل حلقة أصدم بمعلومة تمت إشاعتها كحقيقة تاريخية، بينما تلك الحادثة لا تمتلك أي مصداقية تاريخية أو أنها تمت مراجعتها في السنوات المتأخرة وتم نفيها، إلا أن الخطأ الشائع هو المطروق، كما أن المسلسل ومستشاريه غير راغبين في إزالة ما علق في أذهان الناس بأنها الحقيقة التاريخية الحقة.

ولهذا لا لوم ولا عتاب على جيل (القص واللصق)، فإزالة ركام الأخطاء التاريخية غير مجدٍ، والحل الأمثل التعامل مع كل تلك الأخطاء على أنها غير صائبة ويقينك أن تلك الأخطاء هي المؤسسة للذاكرة الجمعية، فلا تحاول انتداب نفسك كمدرس عليه تصويب كراسات طلاب كلهم لهم ميزة (القص واللصق) بامتياز.

مازلت أسمع أحدكم يقول:

- «لا تضيّقها وهي واسعة».

فعلاً: «لا تضيّقها وهي واسعة».