رغم مرور أكثر من 800 يوم على نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن أحداً لم يتمكن حتى الآن من تحقيق اختراق كبير ينهي هذه الحرب المجنونة، والأدهى، أنه لا توجد نهاية تلوح في الأفق، خاصة في ظل تأييد وزراء مالية منطقة اليورو، هذا الأسبوع، لقرار مجموعة السبع الكبرى بمصادرة أرباح الأصول الروسية المجمدة لصالح أوكرانيا، وهذا يعني عملياً، استمرار معاناة سلاسل التوريد الغذائية لأجل غير مسمى، بعدما باتت أحد أكثر الأراضي الزراعية خصوبة في العالم، في قلب الصراع، حيث يتم اعتبارها كساحة حرب، عبر زراعتها بالألغام على نطاق واسع، فضلاً عن تعرضها الدائم للقصف، الأمر الذي يعيق دورها الرئيسي في دعم الأمن الغذائي حول العالم.

رغم التحديات الرهيبة، إلا أن القطاع الزراعي في أوكرانيا واصل تصدير ملايين الأطنان من الحبوب، حتى بعد تجميد موسكو اتفاقية ممر الحبوب في البحر الأسود، وبالإضافة لذلك، تبرعت العديد من الدول بملايين الدولارات لإزالة الألغام من الحقول الأوكرانية، وعلى سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة حوالي 350 مليون دولار، كمساعدات للقطاع الزراعي الأوكراني منذ يوليو 2022، في المقابل، عزلت الحرب الزراعة الروسية، التي كانت مزدهرة قبل الغزو، بعدما أدت العقوبات الغربية إلى تقليل قدرة المزارعين الروس على الوصول إلى التكنولوجيا الزراعية المتقدمة، وبهذا، أهملت روسيا ملف استحداث أراض جديدة قابلة للزراعة، لأن الحكومة الروسية باتت مشغولة بدعم المجهود الحربي، وبالتالي، تدمرت فرص النمو والأرباح وفتح أسواق جديدة أمام المزارعين الروس.

يتسم تحليل تأثير الحرب على الصادرات الروسية بالتعقيد، بسبب توقف روسيا عن الإبلاغ عن الصادرات والواردات منذ أوائل عام 2022، ولتقدير هذه التأثيرات، يمكن اللجوء إلى بيانات الدول المستوردة التي تبلغ عن الواردات الروسية، أو فحص بيانات الشحن البحري التي يتم جمعها من قبل مصادر خاصة، ولا يعتبر أي من الأمرين مثالياً، إجمالاً، فإن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى اضطرابات تاريخية، ولا زالت، في أسواق الزراعة والطاقة والأسمدة العالمية، مع تفاقم انعدام الأمن الغذائي للملايين حول العالم، وقد استغلت روسيا هذا النقص في الدول الفقيرة لمصلحتها عبر القضاء على أوكرانيا كمصدر غذائي عالمي موثوق، والحلول بديلاً عنها، مما زاد من النفوذ الروسي في هذه الدول بشكل كبير.

السلام وحده، هو من سينهي أزمة حبوب البحر الأسود، وطالما استمرت هذه الحرب العبثية فسوف تستمر موسكو في استخدام الغذاء والأسمدة كأدوات قوية للقوة الناعمة، وسيستمر تدمير القطاع الزراعي في أوكرانيا، الذي تكبد خسائر بأكثر من 80 مليار دولار، ولهذا، فإن طريقة الغرب في صب الزيت على النار، لن تفضي إلا إلى مزيد من المشكلات لسلاسل التوريد، وآخر هذه التحركات الفوضوية تتعلق بمصادرة الأصول الروسية، والتي ستقود حتماً إلى مواجهة حامية الوطيس مع الكرملين، وعلينا أن نتوقع انتقاماً روسياً واسع النطاق من أوكرانيا، بسبب كونها المستفيد الوحيد من مصادرة الأصول، من جهة أخرى، فإن استعادة الدور الأوكراني كمورد عالمي رئيسي للأغذية، يتطلب ثلاثة أشياء: الأول إزالة الألغام من الأراضي الزراعية، والثاني تسهيل وصول المزارعين إلى الأسمدة والتكنولوجيا الزراعية، والثالث زيادة استثمارات القطاع، حتى يتعافي إلى مستويات ما قبل الحرب.