أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 10 نوفمبر 1975، قراراً اعتبرت فيه الصهيونية نوعاً من العنصرية. يمكن بالتالي اعتبار إسرائيل دولة عنصرية، وما كان تأسيسها إلا امتداداً للفكر الاستعماري الأوروبي، الذي ساد في القرن التاسع عشر، إبان حقبة «التدافع على أفريقيا»، و«التوسع الإمبريالي» في آسيا، وقبلها اكتشاف واستعمار الأمريكيتين، والطريقة الوحشية التي تم فيها التخلص من الملايين من سكانها الأصليين، بـ«التنظيف العرقي».

الصهيونية العنصرية استخدمت، كما بينا في مقالي أمس وأول من أمس، الأسلوب نفسه، بالفكر الأوروبي العنصري نفسه، في التخلّص، أو القضاء المبرم، بمختلف الطرق، على الشعب الفلسطيني.

* * *

بعد هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، طفت على السطح العنصرية الصهيونية، في أبشع صورها، حيث دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الأحد الماضي، إلى قتل الأسرى الفلسطينيين وإعدامهم بإطلاق الرصاص على رؤوسهم، بدلاً من إعطائهم المزيد من الطعام.

وسبق أن صرح هذا المسؤول الحقير نفسه بأن الشيء الوحيد، الذي يجب أن يدخل غزة، طالما أن «حماس» ترفض إطلاق سراح الأسرى لديها، هو مئات أطنان من المتفجرات تتساقط عليهم من السماء، بدلاً من القمح.

وسبقه وزير الدفاع غالانت بالقول: نحن نحارب حيوانات بشرية، ونحن نتصرف معهم على هذا الأساس.

وقال قائد الجيش الإسرائيلي غسان أليان: حيوانات «حماس» يجب أن يعاملوا على هذا الأساس. أردتم الجحيم، وسنعطيكم إياه.

وقال الجنرال هاكري: ما يجب التأكيد عليه هو التخريب والتحطيم، وليست الدقة في الإصابة.

وقال نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل: «سنحول غزة إلى جزيرة مهجورة».

كما استخدم مسؤولون إسرائيليون كبار، علناً، الأسلوب غير الإنساني نفسه في وصف الشعب الفلسطيني، مجردينهم من إنسانيتهم، مؤكدين النية في تصفيتهم تماماً، بالقتل والتهجير واللجوء لدول أخرى، مبررين تصرفاتهم بقصص توراتية تجيز لهم الإبادة التامة، فالنص في الكتاب المقدس، كما هو مذكور في 1 صموئيل 15: 3 «الآن اذهب وهاجم عماليق وحرم كل ما لهم. لا تدخرهم». «اقتلوا الرجال والنساء والأطفال والرضع والبقر والغنم والجمال والحمير».

إن كل هذه التصريحات الصادرة عن قادة إسرائيليين، وصانعي الرأي، في الماضي والحاضر، تكشف عن نية الإبادة الجماعية وراء الهجوم العسكري الحالي ضد الفلسطينيين، وإن نواياهم تكمن في عدم وقف الحرب إلا بعد الإفناء التام، ولو بعد حين. وهذا ما حدث في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ففي أقل من شهر، بعد بدء حملة القصف، أسقطت إسرائيل أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ونتج عن ذلك مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وقصف المنازل والمدارس والمستشفيات والملاجئ والمساجد والكنائس ومخيمات اللاجئين وطرق «الإخلاء»، دون تمييز،

ثم يأتي من يدعي أو يطالب، إما جهلاً، أو لغرض شخصي غالباً، باتباع طريق السلام لحل «الإشكال»، بين الطرفين، متجاهلاً، عمداً غالباً، أن إسرائيل لم تعلن يوماً نيتها التعايش مع الشعب الفلسطيني، بل كررت القول إن هدفها الأول والأخير، كما فعل الأوروبيون في أمريكا في أهل البلاد الأصليين، من الهنود، في جزءيها الشمالي والجنوبي.

أكرر ما ذكرته في مقال الأمس: لست من دعاة الحرب، بل أؤمن بالسلام والتفاوض على أية قضية خلافية، لكن عندما يصّر عدوك على إبادتك والقضاء التام عليك، ورفض الاعتراف بوجودك، فليس أمامك غير الدفاع عن هذا الوجود بكل الطرق. والمؤسف أن كل دعاة السلام لم يقدموا يوماً حلاً منطقياً للقضية، غير الاستسلام، والتنديد بما قامت به «حماس»، وهؤلاء إما أنهم يتغابون، أو أنهم مستفيدون من استمرار الوضع على حاله.

قبول الفلسطينيين بوضعهم، كما يقترحه هؤلاء، سيحولهم إلى «هنود حمر الشرق الأوسط!».

استدراك: ورد في مقال الأمس أن إيلان بابي وُلد عام 1954، وخدم في الجولان عام 1967! الصحيح أنه جُنّد، عندما بلغ الـ18، وكان في الجولان عندما وقعت حرب 1973.

أحمد الصراف