* * *
قامت السعودية بمنح جنسيتها للعالمة الأمريكية، السنغافورية الصينية، الأصل جاكي يي رو ينغ، المديرة التنفيذية المؤسسة لمعهد الهندسة الحيوية وتقنية النانو في سنغافورة (2003 - 2018)، صاحبة المقالات والأبحاث العديدة الجادة حول الهندسة الحيوية الطبية وتقنية النانو، وهي عضو في الأكاديمية الوطنية الألمانية للعلوم.
إضافة لذلك منحت السعودية الجنسية لعلماء وأطباء وباحثين ومبتكرين وروّاد أعمال، وشخصيات متميزة من أصحاب الكفاءات والخبرات والتخصصات النادرة، وربما بينهم غير مسلمين، وهذا يعتبر انفتاحاً يستحق الإشادة، حتمته المكانة التي أصبحت تحتلها رائدة العالم الإسلامي، ويخدم خططها المستقبلية ومصلحة شعبها، وهو فوق أية اعتبارات عفى عليها الزمن، فهناك تنافس عالمي حاد على استقطاب الكفاءات، ويجب ألا نتخلّف عنه، فوجودهم إضافة نوعية لجهود التنمية الاقتصادية والصحية والثقافية والرياضية والابتكار.
القرار السعودي الحكيم فتح جروحاً في الذاكرة وفي المنطق، بسبب التعارض الرهيب بين بعض مواد قانون الجنسية الكويتية، الذي يمنع منح جنسية الدولة لغير المسلم، والذي يتعارض مع مواد في الدستور، ويتعارض أيضاً مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان الملزمة لنا كدولة. علماً بأن المواطَنة تُقيّم بالأخلاق والعلم والعمل والإنجاز، وليس بالانتماء الديني. وربما كان بين من عارضوا منح الجنسية لغير المسلم، من كان لهم دور، بدأ ينكشف، في التلاعب في جنسية الدولة.
هذا التمييز الديني مؤسف ومقيت، فقد سبق وجود المسيحيين بيننا، كمثال، وجود أغلبية من عارضوا يومها منح الجنسية لغير المسلم. فيوم حصل المسيحي الكويتي على جنسيته، مع البقية، لم يكن بعض من عارضوا منحها لهم يعرفون أين تقع الكويت. علماً بأننا لم نجد يوماً من الكويتي غير المسلم، أي سوء، بل العكس أقرب للصحة، فقد كانوا يشكلون دائماً إضافة إنسانية وثقافية وعلمية بارزة، ولم يكن لوجودهم بيننا أي أثر سلبي على أخلاق «الأمة»، فخطر النقال اليوم، بيد الصغار والكبار، على الأخلاق والإنتاجية والإنسانية، أخطر بمئات المرات من منح الجنسية لعشرة أو عشرين ألفاً من غير المسلمين، خاصة إن كانوا من أصحاب الكفاءات، التي نحن بأمس الحاجة لأصحابها.
إن المنطق يتطلب إعادة النظر في قانون الجنسية، وفتح المجال لمنح جنسية الدولة لعدد معين من غير المسلمين، سنوياً، ممن تتوسم فيهم الحكومة الخير، ويشكلون إضافة، لكفاءتهم ونظافة سيرتهم، وإخلاصهم، ومنهم من يعيشون بيننا منذ عقود عدة، كانوا خلالها مثال الإخلاص، وهم معروفون، والدولة بأمس الحاجة لوجودهم المستمر بيننا، فلا نزال نتحسّر لفقدان عقول جيدة من معماريين وأطباء، وأساتذة، كانوا يعملون بيننا بكل إخلاص، ولكننا أجبرناهم على المغادرة، فتركونا، وفي قلوبهم غصة!
أحمد الصراف
التعليقات