لا أعتقد أن مصطلح متلازمة السفر هو مصطلح علمي سليم إلا أنني من مؤيدي إدخاله في علم النفس لما له من دلالات في الحياة بشكل عام وفي المجتمع الكويتي بشكل خاص لأن هناك من يسافر رغم عدم قدرته على السفر مادياً سواءً لوحده أو مع أفراد أُسرته، والبعض يسافر إلى العواصم الباهظة التكاليف فقط للتباهي وتلك ظاهرة باتت منتشرة لدينا للأسف.

وهناك قصور عند الكثير من أهل الكويت في عملية الاستعداد والتخطيط للسفر بدءاً بالتأكد من أن جوازات السفر غير منتهية لفترة أكثر من ستة شهور مروراً بالتأكد من الدولة التي يريد السفر إليها إن كان بحاجة إلى تأشيرة وانتهاء بعملية حجز الفندق أو السيارة مسبقاً والتعرف على طبيعة وثقافة البلد الذي سيسافر إليه، ناهيك عن الذين يبالغون في ما يحملون من أمتعة وأموال نقدية رغم توافر البطاقات الائتمانية، إضافة الى النساء وما يلبسن من حُلي بصورة مبالغ فيها، الأمر الذي يجعلها فريسة للسرقة أو عرضة للجريمة.

وقد عرف أهل الكويت السفر قديماً قبل النفط حيث البحث عن اللقمة الحلال في بيئة اقتصادية صعبة تدعو للبحث عن أفكار لطلب الرزق فكان مصطلح «السفر والغوص» دارجاً في الحياة الاقتصادية، ومن يرد المزيد من المعلومات فعليه أن يطلع على كتاب الاقتصاد الكويتي القديم للدكتور عادل عبدالمغني، الذي يحمل دكتوراه في اقتصاديات الكويت قبل النفط من جامعة انديانا في عام 2002م ودكتوراه أخرى في التاريخ الوثائقي من جامعة الحضارة الإسلامية في بيروت عام 2005م، وربما هناك مصادر أخرى عن الاقتصاد الكويتي قبل حقبة النفط.

وبعد الحقبة النفطية ووصول عائدات النفط إلى الشعب الكويتي الذي تغيرت طبيعة حياته تغيراً جذرياً من حيث البنية التحتية والحصول على الماء عبر التحلية وتطوره بعد انتشار التعليم والحصول على منازل حديثة وتطور الخدمات الصحية وغيرها من عناصر الحياة الحديثة.

ومع هذا التغير صاحبه تغير مفهوم السفر في المجتمع الكويتي إذ إنه بات مغايراً وإن كان بعض رجال الأعمال يسافرون من أجل تجارتهم وتبع ذلك سفر بعض الطلبة من فئات المجتمع كافة للدراسة في بعض الدول العربية والأجنبية، إضافة إلى بدء قصة السفر بهدف الترفيه عن النفس والسياحة هرباً من لهيب الصيف الكويتي، والمقتدرين كانوا يقضون طوال فصل الصيف في الخارج، لذا نقول باللهجة الكويتية «لا تصيف» أي «لا تتأخر».

وكان السفر مقصوراً على بعض الدول القريبة من الكويت مثل العراق وإيران ثم تطور الأمر إلى بقية دول العالم واستمر الكثير من أهل الكويت يسافر في فترات مختلفة وليس الأمر مقصوراً على الإجازة المدرسية أو الإجازات الرسمية القصيرة بل إن البعض اتجه إلى الإقامة في بعض الدول العربية أو الأجنبية بعد التقاعد ولا يزور الكويت إلا في شهر رمضان المبارك أو زيارات خاطفة لمناسبات مختلفة.

قرية «انترلاكن» السويسرية بها الكثير من اليافطات باللغة العربية، وهناك الكثير من المطاعم التي تقدم المأكولات العربية ويعمل بها الكثير من العرب، وباتت من أهم المدن السياحية خاصة أن أغلب السائحين من العرب بشكل عام ومن الخليج العربي بشكل خاص.

وفي المقابل، هناك مدن أوروبية اشتهرت بالسياحة منها مدينة برشلونة الإسبانية التي يأتيها أكثر من خمسة عشر مليون سائح سنوياً، وبعوائد مالية تصل إلى أكثر من اثني عشر مليار دولار، إلا أن سكانها باتوا ينددون بالسياحة لدرجة أن بعضهم يستخدم المسدس المائي لطرد السياح لأنهم باتوا يشتكون من ارتفاع أسعار تأجير الشقق، إضافة إلى التلوث والازعاج، وعندما يأتي أهل إسبانيا إلى برشلونة لا يجدون سكناً بسعر مناسب لهم.

ومثلما هناك حروب عسكرية توجد حروب اقتصادية منها ما تتعرّض له دولة سياحية بحجم تركيا قبل وأثناء موسم السياحة لأن تركيا باتت قبلة سياحية عالمية وليست عربية أو خليجية وهي بلد إسلامي قريب، أسعاره معقولة كما أن الأكل فيه حلال ولا تتعرض المرأة المنتقبة إلى مضايقات كما يحدث في بعض البلدان الأخرى، وكلما زادت الحملة لتشويه السياحة بتركيا ازداد معدل السفر إليها بشكل مُطّرد بل إن البعض بات يسافر إليها أكثر من مرة في السنة وليس في الصيف فقط.

ولكن هناك بعض الملاحظات على السائح الكويتي إذ إن البعض مثال يحتذى به كونه يخرج إلى العالم بسلوك حضاري يعكس هوية المجتمع الإسلامية العربية الكويتية الأصيلة، إلا أن البعض تصدر منه بعض السلوكيات السيئة «من الجنسين» ومن أعمار مختلفة فمنهم من يقوم بالتقحيص بسيارته في تلك المدن، ومنهم من يقوم بتحضير القهوة والشاي على الزرع الأخضر ويترك الفحم والمخلفات على الأرض، وهنا أرجو أن تُتخذ إجراءات صارمة ضد كل من يسيء إلى سمعة الكويت في الخارج وتحدد عقوبته بمقدار تلك الإساءة حتى لو وصلت الى سحب جواز السفر.

وعلى السائح الكويتي معرفة قوانين البلد وكيفية التصرف في بعض المواقف مثل الغش التجاري أو التعرض لمضايقة، فهناك ما يتطلب الاتصال برجال الأمن في البلد أو الاتصال بالسفارة الكويتية لتجنب العواقب الوخيمة.

وللسفر فوائد عدة كما قال الشافعي، رحمه الله، حين قال:

«تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد هي: تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد».

ويقول أيضاً «سافر تجد عوضاً عمن تفارقه»

همسة:

عندما تسافر «مد ريولك على قد لحافك».