يطل الإرهاب برأسه القبيح بين الحين والآخر، ملقياً بظلاله القاتمة على مختلف أنحاء العالم، كوحش كاسر لا يعرف الرحمة، يزهق الأرواح، ويهدد أمن واستقرار المجتمعات، وينشر الخراب والدمار، لا يفرق بين صغير وكبير، ولا بين رجل وامرأة، ضحيته الأبرياء من كل الفئات.
ورغم الجهود الكبيرة المبذولة لمكافحته وخاصة في السنوات الأخيرة فإن خطره لا يزال مستمراً، يتجدد كالنار تحت الرماد، فالإرهاب ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو داء عضال، ينبع من فكر راديكالي متطرف، يجد ضالته في ضعاف النفوس، ممن يتم غسل عقولهم بشعارات حالمة وأحقاد عاتية.
وتتخذ التنظيمات الإرهابية من مناطق الصراعات والبيئات المضطربة مرتعاً خصباً لنشر أفكارها المسمومة، وإيجاد موطئ قدم لها، مستغلة حالة الفوضى والاضطراب واليأس التي تجتاح هذه المناطق لبسط نفوذها وجذب المزيد من الأتباع، ولا تكتفي هذه التنظيمات بالتواجد الجغرافي، بل تسخر الفضاء الإلكتروني والتكنولوجيا الحديثة بما فيها الشبكات المظلمة لمد أذرعها الخبيثة إلى أبعد الأماكن، مستفيدة من خبراتها المتراكمة في التضليل والتجنيد والتخطيط لأعمال العنف والإرهاب، ومع تضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية تبحث عن منافذ جديدة لتنفيذ مآربها، وتوجيه ضرباتها على طريقة العصابات الإجرامية.
إن حوادث العنف والإرهاب في العالم متعددة، ومن أحدثها ما تعرضت له سلطنة عمان الشقيقة من عمل إجرامي مشين من قبل جناة ضالين استهدفوا محيط أحد مساجدها، وأطلقوا النار على الآمنين، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الأبرياء، وقد أدانت دولة الإمارات بشدة هذا العمل الإجرامي الذي تعرضت له السلطنة.
وأكدت رفضها القاطع والدائم لجميع أشكال العنف التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وتعرض حياة الناس للخطر. وفي هذا الصدد تبنى تنظيم داعش مسؤوليته عن هذا العمل الإجرامي، الذي أدى إلى مقتل الأبرياء، ما يشكل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي.
إن مثل هذه الحوادث وغيرها تؤكد ما أشرنا إليه في المقال الأسبق عن خطر الإرهاب، وأنه خطر متجدد لا ينقطع، وضرورة مواجهته مواجهة شاملة مستدامة على كافة الأصعدة، وقائياً وعلاجياً وقانونياً، لئلا يجد الإرهابيون منفذاً أو ثغرة يلجون منها للتجنيد والتأثير والتنفيذ.
ومن ذلك وضع البرامج التوعوية والتثقيفية لتعزيز العقيدة الصافية والثقافة الإيجابية والقيم الوطنية، وتفكيك خطاب العنف والإرهاب بالعلم والحجة والبرهان، وتجفيف منابعه الفكرية والتمويلية، وتوظيف التقنيات الحديثة في بث المحتوى الوقائي والعلاجي المناسب لمختلف الشرائح، وخاصة الفئات الصغيرة والشباب، ومن ذلك كذلك وضع دراسات واقعية متكاملة عن المبتلين بالفكر الإرهابي، وخلفياتهم، وبيئاتهم، وأسباب تأثرهم، وأنماط تفكيرهم، ونفسياتهم، ودرجات تقبلهم للعلاج، ونحو ذلك من المعطيات، لبناء قاعدة معلومات يمكن الاستفادة منها في بناء البرامج الوقائية والعلاجية وطرق التعامل التي تعنى بمكافحة الإرهاب والتطرف.
إن مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف منهج مستدام، وتحتاج إلى متابعة وجهود مستمرة، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع، وخاصة مع تنوع المؤثرات التي تكرس ثقافة العنف، على اختلاف مسبباتها، بما في ذلك المسببات الإرهابية، فإن الوقوع في فخاخ العنف من نوع ما يسهل الوقوع في نوع آخر.
فالنتيجة واحدة، ولذلك نرى أن بعض الذين وقعوا في العنف الإجرامي غيروا مسارهم لاحقاً إلى العنف الإرهابي، بعد أن تأثروا وغسلت عقولهم، وذلك يقتضي ترسيخ التربية الصحيحة، والتدين المعتدل، الذي يحمي الإنسان من الوقوع في متاهات العنف من أي نوع كانت.
ومن ذلك كذلك التصدي للأيديولوجيات الراديكالية المتطرفة التي تسعى إلى الهدم والإحلال تحت أي مسمى كانت، وتتبنى مناهج مختلة في التغيير والإصلاح ومواجهة المشكلات، بعيدة عن الشرع والعقل والمنطق السوي، فيظن الفاعل أنه بفعلته جندي من جنود تغيير الواقع، ولو بممارسة العنف والإرهاب، ولو بعدم فهم لما يحتاج إلى تغيير، وما هو البديل الصحيح، وما هي الوسيلة المناسبة والطريق المتاح، وكم احترق من شباب في أتون المناهج المنحرفة التي ترفع شعار التغيير برؤى فاسدة ومناهج ضالة.
إن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى ترسيخ ثقافة السلام والاعتدال، ومكافحة مناهج العنف والإرهاب على اختلاف أشكالها ومسبباتها، ودعم قيم الأمن والاستقرار التي تحفظ المجتمعات وتصونها.
التعليقات