يقول صديق، أكاديمي معروف، ووزير سابق، إن هناك وزارات عدة تعتبر دولة داخل دولة، ووضع بعضها تفرضه متطلبات أمن الدولة وسلامة شعبها، لكن بعضها الآخر، وهي الأكبر، لها جيش من الموظفين وإعلام خاص ومطابع وسلطة رهيبة وميزانية ضخمة، علماً بأنه لا يفترض أساساً أن تكون بذلك الحجم، وخير مثال «وزارة الأوقاف»!

تبلغ ميزانية الأوقاف 450 مليون دينار، وتقارب ميزانيات الجهات التالية مجتمعة: المجلس الوطني للثقافة، وجهاز حماية المنافسة، وإدارة تحريات الأموال، والمراقبون الماليون، والطيران المدني، ووزارة العدل (بكبرها)، والتخطيط، والفتوى والتشريع، فهل يعقل ذلك؟

كما أن مبنى الأوقاف على الدائري الرابع يعتبر «بنتاغون» الكويت!

هذا الحجم الهائل لوزارة ثانوية تمدّد على مدى سنوات، بفضل سيطرة وسطوة التيار الديني، كما أن زيادة الأموال بيد المسؤولين في الوزارة، أغراهم بالتوسّع في أنشطتهم الدعوية غير المطلوبة أساساً، ومنافسة وزارتي الإعلام والتربية والتعليم في مهامهما. وكثرة وتشعب الجهات التابعة للأوقاف زيّن لبعض مسؤوليها مد يدهم لأموال الدولة، السائبة، وبالتالي لم يكن غريباً أن العاملين في هذه الوزارة، والجهات التابعة لها، كانوا الأكثر إحالة للتحقيق، وكان آخر هؤلاء وكيل الوزارة، لأحد عشر عاماً، الذي نال حكماً بالسجن 7 سنوات، وغرامة مالية عالية!

* * *

من غرائب الأمور، التي تبيّن الحجم الخرافي لهذا الجهاز، الذي أحوج ما يكون للرقابة والترشيق، أن عدد المدرسين العاملين في وزارة الأوقاف ــ وهذه ليست من مهامها أصلاً ــ الذين يتلقون رواتب لا تقل عن راتب مدرس في أية مدرسة حكومية، نظير أداء «لا شيء»، أو العمل لساعتين أو ثلاث، في مدارس تحفيظ القرآن، يبلغ 34 ألف مدرس ومدرسة (!!)، علماً بأن عدد مدرسي كل مدارس الدولة لا يزيد على 84 ألف مدرس، يقومون بتدريس أكثر من 440 ألف طالب وطالبة، فهل يمكن لأي عاقل أن يصدق هذا الكلام؟ وهل يجوز ذلك في ظل العجز الذي يشكو منه وزير المالية؟

* * *

لقد سبق أن قام وزير أوقاف سابق بتطبيق البصمة على مدرسي تحفيظ القرآن، لكن القيامة قامت عليه، بعد أن حرّك المدرسون «الأفاضل» نوابهم وكتّابهم لمهاجمة الوزير وتسفيه قراره التنظيمي المهم، وقام 23 نائباً «شريفاً» بالوقوف معهم، وإصدار بيان، هاجموا فيه الوزير، من أجل عيون وأصوات حفنة من المستفيدين من الوضع الخرب، فأُجبر الوزير، في حكومة سابقة ضعيفة، على التراجع عن قراره القانوني والمنطقي، وأُقيل الوزير، بالرغم من أن ما طالب به كان أصلاً من متطلبات ديوان المحاسبة، وانسجاماً مع المنطق والعدالة، ولكن يبدو أن أغلبية مدرسي القرآن كرهوا العدالة والمنطق فور أن أصبح القرار يهدد هناء حياتهم، ويعرقل قبضهم لرواتب سخية دون أداء أي عمل، تقريباً، فلا دوام رسمياً، ولا بصمة، ولا توقيع، ولا رقابة، مع تمتعهم بكادر معلمي وزارة التربية، السخي، ونتائج عملهم تقارب الصفر!

أحمد الصراف