يبدو غريبا ومستغربا البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية الذي يحتج على نية فرنسا الانضمام إلى دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا وألمانيا في تأييد مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لأقاليمه الصحراوية منذ العام 2007. من الواضح أنّ النظام في الجزائر، وهو نظام يشنّ منذ العام 1975 حرب استنزاف على المغرب مستخدما قضية الصحراء، يستهدف القيام بمحاولة أخيرة لقطع الطريق على اعتراف فرنسا بمغربيّة الصحراء على غرار ما فعلته دول أفريقية عدة ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة ودولة تحترم نفسها مثل المملكة الأردنية الهاشميّة.

ليس أمام فرنسا سوى السير في ركب الاعتراف بمغربية الصحراء، لسببين على الأقل. السبب الأول أنّها باتت تعرف تماما أن المغرب بقيادة الملك محمّد السادس ينظر إلى علاقاته مع أي دولة من منظور الصحراء والموقف من مغربيتها بصفة كونها قضيّة وطنية مرتبطة بوحدة التراب المغربي. أمّا السبب الثاني فيعود إلى أنّ المغرب بات دولة ذات مستقبل واعد وجسرا إجباريا بين دول القارة الأوروبية والدول الأفريقية. أكثر من ذلك، لم يعد في استطاعة النظام الجزائري إخفاء تضايقه من النجاح المغربي في تطوير أقاليمه الصحراوية وتحويل الداخلة إلى واجهة لأفريقيا كلّها في الانفتاح على القارة الأميركيّة.

تضمن بيان وزارة الخارجية الجزائرية، وهو ردّ على موقف فرنسي بات متوقعا صدوره قريبا، عبارات تنمّ عن شعور كبير بالضيق من فرنسا. يبدو واضحا أنّه يسعى إلى تغطية الفشل الجزائري الذي في أساسه رفض الاعتراف بأن قضيّة الصحراء هي بينه وبين المغرب من جهة وأن ما يسمّى جبهة “بوليساريو” ليس سوى أداة تستخدم منذ سنوات في محاولة لابتزاز المغرب ولكن من دون نتائج تذكر.

كان يمكن إيجاد تفسير منطقي للّهجة الحادة في البيان الجزائري لو لم تعتمد الجزائر شبه صمت عندما اعترفت الولايات المتحدة بمغربيّة الصحراء أواخر العام 2020. لكن ما العمل عندما تعتقد المجموعة العسكريّة الحاكمة في الجزائر أنّ لا مصلحة لديها في أي مواجهة من أي نوع مع الأميركيين وأن من المفيد التزام الصمت أمام الولايات المتحدة في حين أنّ من السهل، في كلّ وقت، التطاول على فرنسا وعرض عضلاتها أمامها؟

ليس سرّا أن العداء لفرنسا لا يزال ذريعة يستخدمها النظام الجزائري من أجل التحريض على “القوة المستعمرة” التي بقيت في الجزائر من 1830 إلى 1962. صحيح أن الاستعمار الفرنسي كان قاسيا ومتوحشا في تعاطيه مع المواطنين الجزائريين وأنّه ارتكب فظائع كثيرة، خصوصا في مرحلة ما بعد بدء حرب الاستقلال في 1954، لكن الصحيح أيضا أن فرنسا هي التي صنعت الجزائر بحدودها الحالية وضمت إليها أراضي مغربية من منطلق أن “الجزائر فرنسية”. لم تكن فرنسا تتصور يوما أنّها ستخرج من الجزائر. كانت تعتقد أنّ ضمّ أراض مغربيّة للجزائر كسب لها!

سعت فرنسا، طوال سنوات، إلى إقامة علاقات متوازنة بين المغرب والجزائر. ذهب الرئيس إيمانويل ماكرون بعيدا في استرضاء الجزائر، لكن كل محاولاته باءت بالفشل، لا لشيء سوى أن النظام الجزائري يتاجر بما ارتكبه الاستعمار الفرنسي في الجزائر. يبدو العداء لفرنسا قوت النظام الجزائري. لذلك لا أمل في أي تحسن للعلاقات بين باريس والجزائر حيث يمارس رئيس الجمهوريّة عبدالمجيد تبون دور الواجهة للعسكر ليس إلّا.

لم يستطع الرئيس الفرنسي، ذو الخبرة المحدودة في السياسة الخارجيّة، الاستمرار في معاداة المغرب لأسباب وهميّة. كان عليه العودة إلى أرض الواقع والاعتراف بأن للشركات الفرنسيّة مصالح لا تستطيع الاستغناء عنها في المغرب. بات ماكرون يعرف أنّ لا فائدة من أي حوار مع النظام الجزائري، بل يعرف جيدا أنّ موضوع اتخاذ موقف عقلاني ومنطقي من قضيّة الصحراء هو المدخل لإعادة بناء العلاقات المغربيّة – الفرنسيّة.

لا بدّ من إعادة بناء هذه العلاقات على أسس واضحة تتلاءم مع المعطيات الجديدة في شمال أفريقيا، بما في ذلك أنّ الطرح المغربي هو اللعبة الوحيدة ذات الطابع الإيجابي في ما يخص الصحراء، وأن كلّ ما تبقى تفاصيل وشعارات تستهدف المتاجرة بالصحراويين. لو كانت الجزائر جدّية في دعم قيام “دولة صحراويّة” لكانت أقامت مثل هذه الدولة في أراضيها الشاسعة التي يوجد فيها صحراويون. معروف أن الصحراويين منتشرون في كلّ منطقة الساحل الأفريقي، من موريتانيا إلى تشاد، مرورا بالأراضي الجزائريّة.

كان مفترضا بالنظام الجزائري أن يفرح بنية فرنسا الانضمام إلى الدول التي تؤيد طرح المغرب تجاه الصحراء. مثل هذا الطرح مخرج للنظام الجزائري نفسه الذي يعتقد أنّ في الإمكان بناء سياسة على شعارات بالية تجاوزها الزمن. إنّها شعارات من نوع تلك التي وردت في بيان وزارة الخارجيّة الذي جاء فيه “أخذت الحكومة الجزائرية علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة. وقد تم إبلاغ السلطات الجزائرية بفحوى هذا القرار من قبل نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة (…) إن القرار الفرنسي نتيجة حسابات سياسية مشبوهة وافتراضات غير أخلاقية وقراءات قانونية لا تستند إلى أي مرتكزات سليمة تدعمها أو تبررها”.

ليس ما يدعو إلى الهلع. كلّ ما في الأمر أنّه آن أوان تخلي النظام الجزائري عن عقدة المغرب. لديه فرصة للانضمام إلى المبادرات المغربيّة البنّاءة وأن يكون له وجود، بل ممرّ إلى المحيط الأطلسي، بدءا باعترافه بمغربيّة الصحراء.

ولّى زمن المتاجرة بما ارتكبه الاستعمار في أفريقيا. ولّى أيضا زمن إلقاء كل اللوم على الاستعمار الفرنسي والاعتراف بأن المشكلة في الجزائر نفسها وليس في فرنسا. يؤكد ذلك ما فعله العسكر بالجزائر منذ تولوا حكمها مباشرة بعد الاستقلال في 1962. أليست كلّ هذه السنوات كافية للتخلّص من عقدة المغرب ومن المتاجرة بالصحراء والصحراويين؟