عندما يحتفل المغرب في الثلاثين من يوليو الجاري بالذكرى الـ25 لجلوس الملك محمّد السادس على العرش، فإنّه يحتفل بأكثر من ذكرى مهمّة تعتبر محطة أساسيّة في التاريخ الحديث للمملكة القديمة ذات الجذور الضاربة في العمق العربي والأمازيغي والأفريقي والإسلامي وذات الإطلالة على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط في آن.

عمليّاً، يحتفل المغرب يوم «عيد العرش» هذه السنة، بتحول المملكة، في ظلّ محمّد السادس، إلى لاعب أساسي ليس على صعيد المنطقة المحيطة به ولا على الصعيد الأوروبي فحسب، بل على صعيد الانفتاح الأفريقي على أميركا عبر الواجهة الأطلسية للمملكة وميناء الداخلة أيضاً.

صار المغرب، بفضل عمقه الأفريقي والقرار الحكيم والبعيد النظر لمحمّد السادس، بالعودة إلى الاتحاد الافريقي مطلع 2017، الجسر الذي لا مفرّ من عبوره بين أوروبا والقارة السمراء. جرى تطوير لهذا الجسر كي يصبح بين القارتين الأفريقية والأميركيّة أيضاً عبر الواجهة الأطلسية للمغرب.

بات المغرب جزءاً من أوروبا على الرغم من البحر الفاصل بينهما. يعود الفضل في ذلك إلى المشروع التنموي الذي أسّس له الملك محمّد السادس الذي جعل البنية التحتية للبلد بنية شبيهة إلى أبعد حدود بأي بلد أوروبي، خصوصاً في مستوى خدمة المطارات والموانئ والإدارات العامة ونوعية الطرقات وتطور شبكة السكّة الحديد.

يؤكد ذلك أن مباريات دورة كأس العالم لكرة القدم في 2030 ستجري في المغرب وإسبانيا والبرتغال. هل من دليل على التكامل بين المغرب ودول القارة الأوروبية أفضل من هذا الدليل؟

استطاع المغرب في سنوات ليست بالقصيرة تكريس واقع لم يعد في استطاعة أي جهة تجاوزه. إنّه واقع تأكيد مغربية الصحراء التي حاول غير طرف، التشكيك بها بهدف واضح، يتمثل بالمس بوحدة التراب المغربيّة عبر شنّ حرب استنزاف على بلد مسالم لا همّ لديه سوى تطوير نفسه ومجتمعه في ظلّ الوسطية والاعتدال والتنوّع.

هدف المغرب تعزيز التماسك الاجتماعي من دون خشية من التنوع. جعل المغرب من التنوع الذي اعترف به دستور العام 2011 مصدر غنى للمجتمع وللمغرب نفسه. ترافقت كلّ هذه التطورات على الصعيد الداخلي مع شنّ حرب مدروسة على الفقر والجهل اللذين يتغذّى منهما التطرف وكلّ ما له علاقة بالإرهاب، بكلّ أنواعه ومشاربه.

من ميناء طنجة - المتوسط، الذي تحول إلى أحد أهم الموانئ العالميّة... إلى الداخلة على المحيط الأطلسي، مروراً بالرباط، التي صارت إحدى أجمل مدن العالم، والدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب، ومراكش الفريدة من نوعها، والأقاليم الصحراوية، حقق محمّد السادس نهضة حقيقيّة تؤكدها لغة الأرقام.

يظلّ السؤال الذي يطرح نفسه في كلّ وقت: ما سرّ المغرب؟ الجواب بكل بساطة، السرّ في الإنسان المغربي الذي راهن عليه الملك منذ اليوم الأوّل لخلافته والده الحسن الثاني، رحمه الله.

جاء الرهان على الإنسان المغربي بموازاة وضوح سياسي ليس بعده وضوح. يظلّ أفضل تعبير عن هذا الوضوح نظرة المغرب إلى العلاقات مع البلدان الأخرى من خلال مغربية الصحراء والطرح العملي الذي ينادي به منذ العام 2007، وهو طرح الحكم الذاتي واللامركزية الموسّعة.

أدّى هذا الطرح العملي إلى اقتناع معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة بمغربيّة الصحراء التي أقامت فيها عشرات الدول، في مقدمها دول عربيّة خليجية وغير خليجيّة وأخرى أفريقيّة قنصليات خاصة بها.

اعتمد المغرب في كلّ ما قام به على نفسه. تغلّب على كارثة الزلزال الأخير بفضل قدراته الذاتية. بعد أقلّ من أسبوعين على كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق مغربية جنوب مراكش، في سبتمبر 2023، أعلن الديوان الملكي عن برنامج لإعادة ما تهدّم. البرنامج متكامل ويشمل البعدين الإنساني والاجتماعي للكارثة.

تكفّل عاملان في إسكات كلّ الأصوات التي تجرّأت وقتذاك على المغرب. العاملان هما التضامن الشعبي والتلاحم بين المغاربة ووجود قيادة سياسية تعرف كيف التعاطي مع مثل هذا النوع من المصائب.

يعبّر عن التضامن والتلاحم تدفق المساعدات الشعبية على المناطق المنكوبة. كان بين الذين قدموا مساعدات فقراء أرسلوا إلى تلك المناطق كلّ ما يملكونه من مُؤن وأثاث وأدوات منزلية... من وجدة، إلى تطوان وطنجة، إلى العيون...

بعد مضي ثلاثة أسابيع على الزلزال اختفت الأصوات التي سارعت إلى توجيه انتقادات من كلّ نوع إلى المعالجة المغربيّة التي جعلت من المملكة واحة استقرار واستثناء في منطقة شمال أفريقيا كلّها.

سكتت الأصوات التي ربط بعضها بين الزلزال والاستقرار الداخلي في المغرب نفسه... إنّه جهل بالمغرب وبتركيبة المغرب ومؤسسات المغرب... وجهل بالعلاقة العضوية بين الملك والشعب.

في المغرب ملك اسمه محمّد السادس يتابع تفاصيل التفاصيل المتعلّقة بكلّ ما يجري في البلد. يشمل ذلك مستوى التعليم والعمل الدؤوب على تحسينه. رفع محمّد السادس منذ بداية عهده شعاراً يقول إنّه يريد من كلّ مغربي أن يفتخر ببلده.

سئل محمّد السادس، بعيد صعوده إلى العرش في العام 1999، عن القدرة التي امتلكها والده على صعيد تكريس الدور المغربي على الصعيدين العربي والإقليمي ونجاحه في ذلك، فكان جوابه: «لئن كان المرحوم قد وضع اسم بلاده في الخرائط الدوليّة، فإنّ هم خليفته أن يرصّع اسم المغرب في قلب كلّ مواطن مغربي».

في المغرب، لا يبقى الكلام مجرّد كلام.يتحول الكلام إلى فعل يومي. يعود ذلك كلّه إلى أنّ رهان محمّد السادس على الإنسان المغربي كان رهاناً في محله...