حرب أخرى كبرى لا هوادة فيها تشنها إسرائيل بضجيج أخف على الضفة الغربية المحتلة؛ إذ رفعت وتيرة القتل والاستيطان وسلب الأراضي وهدم البيوت، لفرض واقع جديد، يقوم على إنهاء أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وليس هذا فحسب؛ بل إن اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم، يهدف إلى تصحيح «الخطيئة» التاريخية في عام 1948، حسب وصفه، بعدم تهجير كل الفلسطينيين آنذاك، ويسعى جاهداً إلى فعل ذلك راهناً، وبالفعل ثمة خطوات خطرة وغير مسبوقة انتهجتها تل أبيب ضد الضفة، لضمها كونها تعدها جزءاً من الدولة الإسرائيلية وفق معتقدهم.

علناً وفي وضح النهار، سلّحت إسرائيل عشرات آلاف المستوطنين، وأطلقت يدهم في المناطق الفلسطينية، حرقاً وقتلاً وتهويداً. وتزامن ذلك، مع المصادقة على «شرعنة» خمس بؤر استيطانية، تمهيداً لبناء مئات الوحدات عليها، فضلاً عن الإعلانات المتوالية، لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في أنحاء الضفة الغربية المختنقة بمئات المستوطنات والمعسكرات، والتي تقطع أوصال مدنها وقراها عشرات الحواجز التي تجعل من حياة الفلسطينيين جحيماً.

لم يشبع نهم إسرائيل، التي ترى نفسها فوق القوانين الدولية، ما ترتكبه من قتل في غزة؛ إذ عملت بعد السابع من أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، على تقويض أركان السلطة الفلسطينية، ومنع التمويلات عنها، والتضييق عليها من كل جانب، على الرغم من خياراتها السلمية، وتمسكها باتفاق «أوسلو» الذي لم يبقَ منه بالنسبة لتل أبيب إلا اسمه، هذا فضلاً عن بدء خطوات عملية لمصادرة أراضي «ج» التي تشكل نحو 60% من أراضي الضفة، والتخطيط لضم مناطق «ب» أيضاً، التي تقع ضمن الإدارة المدنية للسلطة، فقد قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، إنه لا يفعل أي شيء سراً؛ بل يعمل بوضوح من أجل منع إقامة «دولة فلسطينية تشكّل تهديداً وجودياً على إسرائيل»، و«تعزيز وتطوير الأمن والاستيطان».

مع كل ذلك، فإن الضفة قدمت مئات الضحايا خلال الشهور العشرة الماضية، بعد أن أضحت إسرائيل تتبع سياسة القتل بالجملة، باستخدام أعتى أسلحتها الجوية والبرية، فضلاً عن تدمير البنى التحتية في المخيمات والقرى والمدن، للتصعيد ضد الفلسطينيين، وجعلهم يعانون حتى في توفير أبسط أمور معيشتهم، لدفعهم نحو التشرد والهجرة.

ما لا تدركه إسرائيل، أن الشعب الفلسطيني عصي على الانكسار، وأنها طوال العقود الماضية، لم تتمكن من ثنيهم عن الدفاع عن قضيتهم، والتشبث بجذورهم، ومهما سعت نحو دفعهم للاستسلام والهروب من أرضهم، فإنها لن تجد نتيجة، والتاريخ خير شاهد على ذلك.

لكن في المقابل فإن الفلسطينيين يحتاجون إلى تدخل دولي صارم، لوقف المهازل الإسرائيلية وانتهاكها لكل شيء، وإلا فإن «الأخلاقيات» التي يُروج لها في الأروقة الأممية والعالمية، ستكون حبراً على ورق أمام عنجهية إسرائيل.

*