عبدالله الزازان
خضع الشرق - في وقت مبكر - لقراءات نقدية ثقافية تاريخية قائمة على سياق النظرية الغربية، الشق الأوروبي الغربي، وبالذات بعد أن اعتبرت السوسيولوجيا علمًا نقديًا. وعلى إثر هذا تعرضت الثقافات الشرقية لحركة نقدية واسعة. فالعصر الحديث - على حد تعبير المفكر الألماني إميا نويل كانط - يعتبر عصر النقد الثقافي التاريخي الذي يحب أن يخضع له كل شيء. كانت تلك القراءات النقدية التاريخية والمؤسسة على علم الاجتماع الحديث، مستقاة من نظريات وأفكار عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، وعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم، والتي تناولا فيها ثقافات الشرق بما اعتبراه الفشل الثقافي الشرقي في إحداث نقلات وتحولات حضارية عالمية كبرى قياسًا على ما سجله الغرب الحديث من نقلات وتحولات حضارية تمثلت في ظاهرة الحداثة، وأن الشرق - في عرفهما - استنفد مهماته التاريخية، ولم يستطع أن يبرهن على نفسه منذ القرن الثامن عشر وإلى القرن العشرين. ولكن من الخطأ المنهجي رؤية الشرق بمنظار التجربة الغربية أو قراءة المجتمعات الشرقية من واقع النظرية الاجتماعية - الثقافية الغربية أو المنهجية الغربية وأدوات الفكر الغربي. فمثلًا عندما نشر غاندي سيرته الذاتية The store of my experiment With truth رفع الغرب حاجبيه مستنكرًا تلك السيرة الشرقية التي هي في عرف الغربيين (متخلفة)، رغم أن الطبعة الإنجليزية كانت على الأقل أكثر قربًا من الفهم الغربي. كانت الدهشة التي أصابت الغرب كيف أن هذا الزعيم الأسطوري مر في طفولته بأعراف وعادات اجتماعية في عرفهم تعد بالية؟ نظروا فإذا هذا الزعيم عاش كبقية الشرقيين، تزوج وهو لا يزال في سن الطفولة وعندما غادر إلى إنجلترا وجنوب إفريقيا لم يصحب معه زوجته في رحلته العلمية بل غادر وتركها عند أبويها، وعندما أراد الدراسة خارج الهند لم يتخذ قراره إلا بعد موافقة والده، إلى آخر قائمة العادات والأعراف والقيم والمبادئ السائدة في الشرق. وسبب نظرة الغربيين -في تصوري- هو تطبيق النظرية الاجتماعية الغربية التاريخية على التراث الشرقي، وهذا ما حدث في مسألة الاستشراق حين درست المجتمعات العربية والإسلامية عن طريق تلك النظرية والمنهج العلمي التاريخي. يقول هاشم صالح: إن المعركة ليست متكافئة بين الجهتين، فالعرب هم المدروسون وليسوا الدارسين، ولأن الغرب هو الغالب والمسيطر، ليس فقط اقتصاديًا وتكنولوجيًا وسياسيًا وعسكريًا وإنما منهجيًا ومعرفيًا وفكريًا أيضًا. وإن كانت المنهجية العلمية الغربية لا تتمثل طريقًا واحدًا، باعتبار أن الغرب يتشكل من عدة تيارات ومذاهب وأفكار وبيئات مختلفة، وبالتالي موقفه من الشرق أو الإسلام أو العرب أو العالم الثالث ليس واحدًا فقد يرتبط بموقف فكري وأيديولوجي، فمنهجية رودسون ذات تلوين اجتماعي ماركسي أكثر من منهجية برنارد لويس التي يبدو أنها تنتمي إلى منهجية تاريخ الأفكار التقليدي كما هو سائد في الغرب منذ القرن التاسع عشر ومنهجية فيلوجية تاريخية كلاسيكية لا تعنى كثيرًا بالمشروطية الاجتماعية الاقتصادية للموضوع المدروس، وإنما تدرس الأفكار وكأنها ذات كيان مستقل بذاته، وكذلك منهجية كلود كاهين فهي تولي أهمية للعوامل الاجتماعية والاقتصادية أكثر من منهجية فرانسيسكو جابرييلي، وهذا الفرق مهم ولا يمكن الاستهانة به. وهناك فرق يعود إلى مسألة النظرة والرؤية الغربية للشرق ففي كتاب للكاتبة الأمريكية شيلا جونسون (اليابان في الرؤية الأمريكية) تصف الكاتبة رحلة قامت بها إلى اليابان التقت فيها بشرائح وأطياف من المجتمع الياباني.. وفي فصلين من الكتاب تحدثت عن وضع المرأة اليابانية.. ورغم أن الكاتبة حاولت أن تأخذ بمبدأ الحياد في نظرتها للمرأة اليابانية.. إلا أن هذا الحياد سقط أمام مسألة استقلالية المرأة. وصارت تستنكر على المرأة اليابانية قبولها بما سمته «المقعد الخلفي». وكتاب آخر عن النساء الريفيات التايوانيات «وهو دراسة اجتماعية لحياة النساء الريفيات.. وتناولت الكاتبة موضوع» الخطبة، والزواج، والطلاق.. وقالت إن العادات الاجتماعية في تايوان لا تستقيم مع المرأة. نخلص من هذا كله إلى أن معظم دراسات الغربيين تتأسس على المنهج العلمي التاريخي، والذي ينطلق من النظرية الاجتماعية الغربية، وهذا قد يرتبط بموقف نفسي، أو قد يخضع لفكر تقدمي أو محافظ أو متغير أو بنيوي أو يميني أو يساري.- آخر تحديث :
التعليقات