سميح صعب

الهدف الرئيسي الذي رمت إسرائيل إلى تحقيقه من وراء اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية في طهران، توجيه ضربة قوية للحركة، باستهداف أعلى هرم السلطة فيها، أملاً في إضعافها وحملها على تقديم التنازلات في مفاوضات وقف النار وصفقة تبادل الأسرى.

وإذا ما نظرنا إلى التوقيت، نجد أن الاغتيال تزامن مع تولّي الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان مهمّات منصبه رسمياً، خلفاً للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث تحطم مروحيته في أيار (مايو) الماضي.

بزشكيان محسوب على التيار الإصلاحي، ويدعو باستمرار إلى ضرورة ترميم العلاقات مع الغرب، بهدف رفع العقوبات التي أرهقت الاقتصاد الإيراني، وجعلت المواطنين الإيرانيين يعانون من وطأة التدهور المستمر في قيمة الريال الإيراني في مقابل الدولار.

وبزشكيان أيضاً على يقين بأن الطريق إلى رفع العقوبات تمرّ بإحياء المفاوضات مع الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة، للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، أو التوصل إلى اتفاق جديد.

وأبدى بزشكيان رغبة في فتح صفحة جديدة مع الدول الأوروبية، في سياق توسيع خيارات إيران الدبلوماسية والاقتصادية. كما أن مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي شدّد على أن أولوية الأولويات للرئيس الجديد هي التركيز على الاقتصاد، الذي يمكن من خلاله فحسب استعادة ثقة المواطن الإيراني العادي بالنظام.

ومنذ أن اختارت إيران رئيساً إصلاحياً، بدأ المحللون يغوصون في آفاق المرحلة المقبلة للعلاقات بين طهران والغرب، وكيف سينعكس ذلك على الخطاب الإيراني حيال الولايات المتحدة في انتظار الرئيس المقبل: هل تكون الديموقراطية كامالا هاريس واستمرار سياسة جو بايدن، أم يعود دونالد ترامب ومعه عقوبات "الضغط الأقصى" والعودة إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية؟

في 24 تموز (يوليو) الماضي، خطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي، معيداً التصويب على إيران وبرنامجها النووي ودورها في الإقليم ودعمها "حماس" و"حزب الله" والحوثيين، متجاهلاً الحديث عن وقف النار في غزة. وبدا أن هذا الخطاب نسخة عن خطاب عام 2015 الذي تلاه نتنياهو في الكونغرس وكرّسه لشيطنة إيران والهجوم على الاتفاق النووي، والذي كان باراك أوباما قد وقّعه للتو مع طهران.

لا يريد نتنياهو أن يحصل انفتاح بين إيران والولايات المتحدة، لأن ذلك يُضعف حجته القائمة على أن النظام الإيراني هو "الخطر الوجودي" على إسرائيل وعلى باقي دول المنطقة والعالم. ونتنياهو يقدّم نفسه منتدباً لإنقاذ إسرائيل من هذا الخطر، ويقول إنه يقاتل نيابة عن "الحضارة" ضدّ "الهمجية".

نتنياهو يريد البقاء في السلطة، لا أكثر ولا أقل، وسبيله إلى ذلك هو مفاقمة النزاعات والحروب في الشرق الأوسط.

وبناءً على هذه الذرائع، رمى نتنياهو بين ما رمى إليه من اغتيال هنية في طهران بعد ساعات من تنصيب بزشكيان، إلى إحراج النظام في إيران وحمله على ردّ الضربة، وإرغام الولايات المتحدة على حشد أساطيلها في المنطقة للدفاع عن إسرائيل، وربما مساعدتها في الردّ على الردّ، والتأسيس لاضطرابات ليس لها أول ولا آخر، ووضع حدّ لأي احتمال بحصول اختراق في العلاقات الإيرانية مع الغرب.

لم يمهل نتنياهو باغتياله هنية الرئيس الإيراني الجديد يوماً واحداً للإفصاح عن برنامجه وخططه لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، والذهاب خطوة في اتجاه المصالحة مع الغرب.

كانت ضربة نتنياهو مزدوجة لـ"حماس" وإيران في الوقت نفسه، وهذا يضع المنطقة على فوهة بركان، إذا انفجر لن يكون سهلاً معرفة المدى الذي ستبلغه حممه.

بتحويل المواجهة إلى إيران، يحرف نتنياهو بوصلة العالم عن الحرب المدمّرة التي يخوضها ضدّ الفلسطينيين منذ عشرة أشهر.