وليد عثمان
وليد عثمان
تحيل مفردة الجوع غالباً إلى إحساس فردي أو شخصي، غير أن لها تجليات أكبر وأوسع نطاقاً على المستوى العالمي، بوصفها تعبيراً عن معاناة ملايين البشر حول العالم، وفق إحصائيات رسمية، وأزمة مرشحة للتفاقم، خاصة مع ازدياد مسبباتها، وفي مقدمتها الحروب وأزمات المناخ.
يصح القول في موضوع الجوع ما تكرر كثيراً في غيره من الأزمات، وهو أن العالم كان في غنى عن كل الأزمات التي تصنعها حماقات بشرية، سواء التي تشعل الحروب وتغذيها لتبقى مستعرة على الدوام، أو التي تصر على إساءة استخدام موارد الطبيعة حتى بلغنا هذا القدر من نقص الغذاء وحرمان الملايين حول العالم منه.
وفي الحالتين، أي الحروب والأزمات المناخية، يكلف إصلاح ما فسد أكثر مما كان مطلوباً لو سارت الأمور على وتيرتها وتركزت الجهود في ما يوفر للبشر في كل مكان حقهم البديهي في حياة لائقة.
وحتى محاولات استدراك ما فات لن تؤتي أكلها على المدى المنظور، فالعالم «لا يزال بعيداً جداً» عن تحقيق الهدف الأممي المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030. وهذه هي الخلاصة المؤسفة لتقرير اشتركت في إعداده خمس وكالات أممية معنية بالأمر هي منظمات الأغذية والزراعة (الفاو)، والأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومنظمة الصحة العالمية، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، وبرنامج الأغذية العالمي.
وطبيعي أن تربط هذه الوكالات الأممية بين الصراعات والاضطرابات الاقتصادية والمناخية وعرقلة الجهود المبذولة للحد من الجوع في العام الماضي، ما أثّر في نحو تسعة في المئة من سكان العالم.
وفق التقرير، واجه نحو 733 مليون شخص الجوع في 2023، وفي حين أثّر في واحد من كل خمسة أشخاص في إفريقيا، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ شخصاً من كل 11، أحرزت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تقدماً وتعثرت آسيا في تحقيق هدف القضاء على نقص التغذية.
وأصاب انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، الذي يجبر بعضهم أحياناً على تخطي بعض الوجبات، 2,33 مليار شخص في العام الماضي، أي ما يقرب من 29% من سكان العالم.
هذه الأرقام هي إدانة لكل مشعلي الأزمات في العالم، ولا تليق بحجم ما بلغه من تطور، ولا ما ينفقه على جوانب أخرى، في ظل اضطراب الأولويات الذي خلق الحاجة إلى ما بين 176 مليار دولار و3975 مليار دولار للقضاء على الجوع بحلول عام 2030، وحتى إذا توفرت فإن هذا الهدف، مرة أخرى، لا يزال بعيداً جداً.
الأمر معقد، فللحروب والصراعات غير المباشرة كلفة، ولنواتج الخلل المناخي مثلها، وسد جوع الملايين حول العالم يحتاج تكاتفاً وإنفاقاً، فمن أين تكون البداية؟ وكيف تتوزع الجهود على كل المحاور بفرض حدوث توافق على الهدف الأسمى وتحقق التوافق حول فكرة كالتي دعا إليها الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، أخيراً، وهي إقامة تحالف عالمي لمكافحة الجوع؟
التعليقات