آيسلندا عبارة عن أرض قاحلة مليئة بالبراكين، أو كل السخانات، وهي قمرية جداً لدرجة أن رواد فضاء «ناسا» تدربوا هنا. ينابيع ساخنة، وبرك طينية، وفتحات بخار أكثر من أي برية أخرى على وجه الأرض. حتى «الحضارة» هنا يبدو أنها لا تقدم إثارة للعقل: لا شيء منطقي تماماً. تفتخر آيسلندا بأكبر عدد من الشعراء والمطابع، والقراء، بالنسبة لعدد السكان في العالم: ريكيافيك لديها أربع صحف يومية.

لكي تتمكن الولايات المتحدة من مجاراة معدل الإنتاج الأدبي في آيسلندا، يتعين عليها أن تنشر ستمائة كتاب جديد يومياً. وتمتلك آيسلندا أقدم لغة حية في أوروبا، إذ يقرأ شعبها ملاحم القرون الوسطى، كما لو كانت صحيفة الغد، وجميع المفاهيم الجديدة، مثل «الراديو» و«الهاتف»، تعطي مرادفات مختارة شعرياً للقرون الوسطى. وقد تكون ريكيافيك تقريباً لعبة طفل صغير، نظيفة ومثالية مثل سفينة داخل زجاجة. تشتهر آيسلندا بعدم وجود قصور، أو أحياء فقيرة، بنفس الطريقة التي لا تحتوي لغتها على لهجات. ولأن جميع المنازل، تقريباً، يتم تسخينها بالحرارة الأرضية، فإن المدينة، التي يعني اسمها «الخليج الدخاني»، تتألق بصمت في الهواء الخالي من الدخان، واضحة كما لو كانت مرئية من خلال ألواح الزجاج المصقول.

ليس بسبب العاصمة يأتي الزوار إلى آيسلندا، الخلاء هو ما يبحثون عنه ويجدونه. أكثر من ثمانين في المائة من مساحة البلاد لا تتكون إلا من حقول الجليد والجبال القاحلة والحمم البركانية. مساحات شاسعة فارغة وغير مضيافة.

تبدو مثل هذه المستوطنات الموجودة بالفعل وكأنها ضواحٍ تبحث عن مدينة. مزرعة منعزلة هنا، ومنارة وحيدة هناك، وأحياناً برج منعزل: كتلة صغيرة من الخرسانة داخل مخلب عملاق خشن. الطبيعة تعشق الفراغ هنا. والأرض نفسها لا تشبه شيئاً بقدر ما تشبه كتاباً مدرسياً للجيولوجيا، فهي عبارة عن كتلة مثقوبة من الحفر البركانية، وأعمدة هسهسة من الدخان، حتى تبدو كما لو أن الأرض نفسها تنفث بخاراً. والتربة أجزاء منها شديدة الانحدار.

يقع أكبر نهر جليدي في أوروبا في مكان ما في هذا العدم، وأكبر حقل للحمم البركانية في العالم، تم إنشاء أقدم برلمان في أوروبا على هذه التربة الحديثة.

سيخبرك الآيسلنديون أنه بسبب تيار الخليج، لا يوجد في هذا البلد درجات حرارة قصوى. بعض السنوات لا تشهد ريكيافيك أي ثلوج على الإطلاق، وأدنى درجة حرارة مسجلة في العاصمة منذ ثلاثين عاماً هي خمس عشرة درجة فهرنهايت تحت الصفر.