استحقت مهنة الصحافة ثلاثة ألقاب أو ثلاث صفات: السلطة الرابعة، ومهنة المتاعب، وصاحبة الجلالة، وفي تقديري الاجتهادي أن السلطة الرابعة ارتبطت كلقب أو صفة بالصحافة عن طريق صحفيين سياسيين أو مُسَيسين. أما مهنة المتاعب، فقد ارتبطت بالمهنة عن طريق صحفيي الإثارة والبحث عن قضايا ذات موضوعات إشكالية اجتماعية كانت أو سياسية، في حين أن صاحبة الجلالة هو لقب لا يطلقه إلا من عشق المهنة على طريقة الأدباء والشعراء، ففي هذا اللقب أو هذه الصفة رنّة شعرية محبّبة... وأياً كانت الألقاب فإن الصحافة هي الحبر والورق والكتابة قبل هجوم الإنترنت والكمبيوتر والأخبار الجاهزة من قبل شركات الخدمات الإعلامية الحديثة، ثم، وأياً كانت الصحافة، فإنها ليست مهنة متاعب أبداً إلا بالنسبة للصحفي الفاشل أو شبه الفاشل، والصحافة لا تكون ولن تكون سلطة بأي معنى حتى لو كانت معنى مجازياً، فالصحافة هي شكل من أشكال الحرية، والحرية تتناقض روحاً وجوهراً مع مفهوم السلطة، حتى لو كان مفهوماً استعارياً ناعماً. لعلّ هذه الكلمات ليست مقدّمة طويلة لأتحدث عن شاعر وصحفي وناثر وكاتب كان عاشقاً للمهنة من رأسه حتى قدميه، هذا العشق يتكثف في الاسم الإماراتي – الجميل: حبيب الصايغ.عرف حبيب الصايغ صاحبة الجلالة وهو شاب في العشرين من عمره، وبعض تفاصيل حياته تقول إنه صحفي مذ كان في الثانوية العامّة، وفي الأثناء كان الشعر قنديله الذهبي الذي أخذ بيده اليمنى إلى الكتابة، وظل على وعود وعهود الكتابة حتى نفسه الأخير. حبيب الصايغ ركن امتيازي في تاريخ صحافة الإمارات، كما هو عميد امتيازي في الشعر الإماراتي والعربي، وكنت أشعر بأن مقالة حبيب الصايغ الصحفية مكتوبة بحب للنثر وحب للكتابة من أجل الكتابة قبل أن تكون هذه المقالة مادّة صحفية، ففي داخل جملته الصحفية الحرفية والمهنية كانت الكلمات تنتمي إلى روح شعرية في الأصل، لكن، هوية هذه الروح هي هوية صحفية احترافية. حبيب الصايغ حبيب الشعر وحبيب الصحافة، ولم يكن له أن يعرف أو يجيد أي عمل آخر غير كتابة القصيدة، وكتابة المقالة الصحفية الموجزة المكثفة في 400 كلمة أو في 1000 كلمة صادرة عن قلم صادق الحبر، وصادق الضمير.كان حبيب الصايغ يكتب مقالته الصحفية بسرعة. الفكرة جاهزة ومكتملة دائماً في ذهنه، حيويته الكتابية لا تعرف الثقل والجمود. يكتب بخفّة وليونة فيهما خفة وليونة الشعر، لكن مع إدراكه الحرفي للغة صاحبة الجلالة.كان حبيب الصايغ وحده أو بمفرده ظاهرة شعرية عمودية، وتفعيلية، ونثرية، وكان ظاهرة صحفية أيضاً بمقاله القصير والطويل، ولم تكن الصحافة بالنسبة إليه مهنة متاعب، كما لم تكن سلطة قسرية أو نفعية أو انتهازية، لأن الشاعر في داخله كان يحميه دائماً من طفيليات المهنة، وراكبي ظهرها بالصدفة.
- آخر تحديث :
التعليقات