لافت جداً حضور مفهوم (جودة الحياة) في المرحلة الحالية وتغلغله في نسيجنا الفكري وقائمة احتياجاتنا، ليحتل مكانة متقدمة في قائمة اهتمامات المجتمعات، وهو الذي لم نعرفه كمصطلح إلا بعد أن وضعته رؤية السعودية 2030 ضمن مستهدفاتها وأسست له برنامجاً يعد اليوم من الأكثر حضوراً وتأثيراً في حياة الناس ومعيشتهم اليومية. وجودة الحياة المقصودة لا تقتصر على جانب دون آخر ولا فئة دون غيرها من المواطنين والمقيمين والزوار. وبدأنا نحس عملياً بجودة الحياة في جوانب عدة اختار منها اليوم الإجراءات التي كانت تستغرق منا وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً ثم أصبحت الآن قابلة للإنجاز عبر الخدمات الإلكترونية من أي مكان يوجد فيه طالب الخدمة خلال دقائق.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن (التقنية) هي الحصان الذي قاد عربة الإنجاز الذي شهد به العالم، حيث، سبق أن أعلن الاتحاد الدولي للاتصالات تحقيق السعودية المركز الثاني على دول مجموعة العشرين في مؤتمر تنمية الاتصالات والتقنية، وإلى تفوق المواطن السعودي في مجال التقنية وقدرته المتفوقة على التعامل معها على الرغم من حداثة تجربته النسبية معها ورغم اتساع الرقعة الجغرافية وتباين المستويات التعليمية.
كما نذكر ما شهد به العالم أيضاً من أن السعودية تفوقت في التعامل مع جائحة (كورونا) وتداعياتها باستعمال التقنية عبر تطبيق (توكلنا) الفريد من نوعه عالمياً، ما جنب المجتمع مزيدا من التداعيات السلبية، ومكنت البنية التحتية التقنية من استمرار الحياة في الواقع الافتراضي عبر الخدمات الإلكترونية والاجتماعات وفصول التعليم عن بعد، حتى مرت الأزمة بأقل الخسائر وأنجزت الأعمال في الوقت نفسه دون تعطيل.
وما دمنا في مجال الصحة فإن تطبيق (صحتي) هو الآخر وفر الخدمات الطبية بسهولة بدءاً بحجز المواعيد حتى استكمال الإجراءات خلال دقائق، عن بعد أو من خلال المراكز المنتشرة في الأحياء، إما في مجال خدمات وزارة الداخلية التي لها السبق والأولوية في هذا المجال، فباتت كل معاملات الجوازات والأحوال المدنية وكل خدمات الوزارة للمواطنين والمقيمين والزوار على حدٍ سواء تنجز في ثوانٍ عبر التطبيق الأشهر (أبشر) التي كانت حتى قبل سنوات قليلة تتطلب الانتظام في صفوف انتظار طويلة من بعد صلاة الفجر.
كما امتدت الخدمات التقنية إلى إجراءات وزارة العدل والمحاكم التي كانت تتطلب مواعيد ودواما كاملا لنقل ملكية عقار أو حضور جلسات محاكمة فأصبحت تتم عبر تطبيق (ناجز) الذي له من اسمه نصيب فهو يعني الإنجاز السريع مع الدقة المطلوبة في الإجراءات العدلية.
وفي المجال المالي اختتم يوم الخميس الماضي مؤتمر التقنية المالية (فنتك 24) الذي عقد في الرياض برعاية برنامج تطوير القطاع المالي والبنك المركزي السعودي (ساما) وهيئة السوق المالية وهيئة التأمين، حيث أكد المتحدثون في المؤتمر أن السعودية قادمة بقوة لميدان الاقتصاد الرقمي الذي يسهم هو الآخر في تحسين جودة الخدمات وتمكين القطاعات العامة والخاصة من ترسيخ مكانة السعودية عالمياً، كما قال محافظ البنك المركزي السعودي أيمن السياري الذي أكد "أن التحول الذي يشهده القطاع المالي له أهمية كبيرة ويسهم في تحقيق فوائد ملحوظة أهمها سرعة التعاملات المالية وتقليل تكلفتها".
والأهم تحقيق التوازن الأمثل بين الأخطار الناشئة وتمكين الابتكار من خلال إطاره الرقابي القائم على الأخطار، وأكد أن بإمكان صناعة التقنية المالية أن تكون لاعباً أكبر في القطاع المالي وتسهم في دعم النمو الاقتصادي في السعودية". وأود هنا أن أشيد بخدمات المصارف السعودية المتطورة على المستوى الإقليمي والعالمي.
وأخيراً: التقنية في بعض الحالات تصاحبها الأخطار، ويشتكي منها عملاء البنوك فالمؤمل أن يهتم البنك المركزي مع البنوك السعودية في معالجة هذه الأخطار وتوظيف (التقنية) لكشف أساليبها بدلا من أن تكون سبباً فيها، وليتحقق إسهام التقنية في تحقيق جودة الحياة التي تسعى إليها القيادة وتسخر لها كل الإمكانات مع تحييد الأخطار الإلكترونية.