الذكاء الاصطناعي مجالٌ سريع النمو، لديه القدرة على إحداث ثورة في العديد من جوانب الحياة. يُستخدَم في العديد من التطبيقات، كالسيارات ذاتية القيادة والتشخيص الطبيّ والتنبؤ الماليّ. يمكن إرجاع أصوله إلى الخمسينيات من القرن الماضي؛ عندما بدأ الباحثون لأول مرة في استكشاف إمكانية إنشاء آلات ذكية ومن ثم في السبعينيات والثمانينيات، بدأت أبحاث ذلك الذكاء في تطوير العديد من التطبيقات التي يمكنها أداء مهام محددة. ومع ذلك؛ فهو ما زالَ في مهده، وينتظرُ مزيدًا من البحوث، فيُقدر بعض علمائه أنّ أخطاءه وسلبياته متعددة ومتشعبة؛ ولذا حرصت الدول المهتمة على تطوير الأبحاث في هكذا مجال، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي بادرت في اقتناص دراسته؛ لإدراكها ما سيؤول إليه العالم من خلال ذلك الذكاء، فأنُشئت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعيّ (سدايا)؛ بموجب الأمر الملكي رقم (أ/471) وتاريخ 29-12-1440هـ، وربطت مباشرة برئيس مجلس الوزراء. وهي المسؤولة عن توفير الإمكانات المتعلقة بالبيانات والقدرات الاستشرافية وتعزيز ذلك بالابتكار المتواصل في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن أجل ذلك؛ وُضِعَ لها رؤية ورسالة، تؤكدان على ضمان ارتقاء المملكة -بإذن الله- إلى الريادة في الاقتصادات القائمة على البيانات والذكاء الاصطناعي، لتحقيق طموحات الرؤية الوطنية 2030 عن طريق تحديد التوجه الاستراتيجي للبيانات والذكاء الاصطناعي. وأصبحت الهيئة تلاحق كل جديد ومفيد في ذلك. واضطلعت بإقامة قمم عالميّة لهذا النوع من الذكاء الذي أصبحَ حديثُ المجالس والمنابر، ومداولات الصغار قبل الكبار؛ حيثُ عقدت قمتين سابقتين، في أكتوبر 2020، وسبتمبر 2022. ودعت الهيئة للمشاركة في قمّة هذا العام 2024 قرابة ثلاث مئة مُتحدث، وبحضورٍ لافت من الشخصيات المتخصصة، في مجاله، وقد جاؤوا من مئة دولة حول العالم، وذلك خلال الفترة الواقعة ما بين 10 إلى 12 سبتمبر 2024م. عقدت القمة في مركز الملك عبدالعزيز الدوليّ للمؤتمرات بمدينة الرياض، وتحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي - حفظه الله -. وتستوقفنا هُنا عدّة وقفات. أولاها، موقع عقد المؤتمر، ولمَا له من مدلولات وإشارات، فهذا المركز الذي يحملُ اسم موحّد دولتنا المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن؛ الذي اهتمَّ بالعلمِ وأهله في أولى مراحل التوحيد العظيم، وهو من اهتمّ بالبعثات، وتحفيز الدارسين في الخارج. وثاني تلكم الوقفات، أنّ راعي هذا المؤتمر حفيدُ الموحّد، عرّاب رؤية وطننا 2030؛ التي من ركائزها: وطنٌ طموح واقتصاد مزدهر ومجتمع حيويّ. وأمّا ثالث الوقفات؛ فهو الكمُّ الهائل من المشاركين؛ وذلك لاستخلاص رؤاهم وتجاربهم وآخر ما توصلوا إليه وما وصل إليه ذلك العلم، وكذا تطلعاتهم لِمَا سيؤول إليه من نتاجٍ فكريّ غزا ويغزو العالم. رعاية صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لهذا المؤتمر لا شكّ أنها حمّلت القائمين على المؤتمر والمشاركين فيه مسؤولية عظيمة بأن يقدّموا كل ما يخدم البشرية. ولم لا! فقد اجتمع عظم المكان والزخم الهائل من المتخصصين في هذا العلم والرعاية الكريمة؛ التي أذكت الحدث وزادته وهجًا؛ فالنار بالعودين تُذكَى، وأُذكيَ هذا المؤتمر بأكثر من العودين؛ فقد أذكى برعاية كريمة فاعلة معطاءة، وعليه كانت النتائج والمخرجات -ولله الحمد- بحجم المؤتمر والرعاية. ولقد أحسنت سدايا صُنعًا بتبني هذه المؤتمرات، وأثبتت جدارتها باستقطاب أقطاب هذا العلم، وأنها لقادرة على متابعة كل جديد فيه. وما اختيارها شعار «لخير البشرية» إلا دافعًا لأولئك المُؤتمرين لشحذ الهمم لتكونَ النتائج وِفقَ التطلعات والمُرتجى؛ فبورك بالمؤتمر راعيًا ورعيةً ومُخرجات.