علي حمادة

في الذكرى السنوية الثانية لمقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني على يد ما يسمى "شرطة الأخلاق" التابعة للنظام، يمكن القول إنه على رغم نجاح النظام الإيراني في قمع ثورة "المرأة، الحياة، الحرية"، أو ما اصطلح على تسميتها أيضاً "ثورة المرأة" الإيرانية، ثبت أن أثر هذه الثورة التي قوبلت بحمام من الدماء والاعتقالات كان كبيراً على المرحلة التي تلت قتل الشابة واشتعال الشارع الإيراني، ليس فقط بنسائه وفتياته، وإنما على صعيد الشرائح الاجتماعية كافة.

ما من شك في أن مهسا أميني تحولت إلى أيقونة في التاريخ السياسي الإيراني، لا سيما أن التسبب في مقتلها بسبب سوء معاملتها في الاعتقال وردّ فعل المجتمع الإيراني نقلا البلاد من حالة الى حالة. وأيا كانت مزاعم الدعاية الرسمية، فإن قتل أميني أدى إلى تفجير الاحتقان الاجتماعي (المرأة والفئات المهمشة) والسياسي (المعارضة غير المنظمة المقموعة أو الصامتة) وتوسع نطاق العناوين التي جملتها الثورة لتشمل قضايا النظام السياسي، الحريات، القمع، الانغلاق الايديولوجي الثقافي، التمييز الاثني والطائفي، الفساد المستشري، التدهور الاقتصادي والمالي، والخيارات الجيوسياسية للنظام التي تقدم الخارجي على الداخلي، والأهم تعب المجتمع والفئات كافة. أضف إلى ذلك أن النظام تحول بعد أكثر من أربعة عقود الى نظام مترهل يقوده تحالف العسكر ورجال الدين الأصوليين. ومع تقدم المرشد علي خامنئي في السن يعاني من ازمة خلافة صعبة قد لا تمر بالسلاسة المتوقعة.

وفي المناسبة، من المهم التوقف قليلاً أمام بعض أرقام القمع الذي تعرض له المجتمع الثائر والغاضب في الأشهر الستة الأولى من الثورة، فقد تجاوز عدد الضحايا الـ 600، وعدد المعتقلين والمعتقلات الـ20 ألفاً، وجرى إعدام عدد من الشبان، فيما صدرت أحكام بإعدام شبان وشابات قادوا احتجاجات في الشارع. ومع ذلك لم يتمكن النظام من تحقيق انتصار حاسم على المزاج الثائر. صحيح أنه نجح في ضبط الشارع، وتقويض موجة الاحتجاجات في عشرات المدن ومئات البلدات، لكن المناخ الذي أدى الى اشتعال الشارع بقي كما هو، لا بل انه ازداد خطورة بسبب فشل السلطات في معالجة تداعيات القمع الشديد، والاعتداء على النساء من كل الأعمار، من دون تحقيق إنجازات على الصعد الاقتصادية والمالية والإدارية. ولعل مقتل الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في شهر أيار (مايو) الفائت شكل فرصة للنظام لكي يجدد نفسه من الداخل، باعتبار أن رئيسي كان يمثل الجناح الأصولي المتزمت والعنيف في النظام.

وهنا يكمن التفسير الذي أعطاه مراقبون كثر لقرار المرشد والدولة العميقة المؤلفة من تحالف العسكر ورجال الدين الأصوليين بإيصال المرشح "الإصلاحي" مسعود بزشكيان الى سدة الرئاسة وقيادة السلطة التنفيذية كمحاولة لتنفيس الاحتقان السياسي الاجتماعي والثقافي في البلاد. فما من إمكانية لوصول شخصية سياسية أو غير سياسية الى موقع الرئاسة ومن خلال الفوز عبر صناديق الاقتراع من دون "ترخيص" من الدولة العميقة. ومن هنا ومع أن بزشكيان أطلق على حكومته تسمية "حكومة الوفاق الوطني" فإنه من الناحية العملية اختير ليلعب دور أحد صمامات الأمان لنظام تلقى إبان ثورة "المرأة، الحياة، الحرية" ضربة قاسية في المجتمع الإيراني المتنوع، والذي تزيد نسبة الشباب فيه ممن هم دون الخامسة والثلاثين من العمر على 70 في المئة من عدد السكان.

وبمعنى آخر أن معظم الشعب ولد بعد الثورة. أكثر من ذلك أوصلت شرائح شابة مليونية خارجة من الانتشار الإيراني في العالم صوت الاحتجاجات في الداخل إلى العالم، وصنعت منها قضية ذات بعد دولي كبير. ولئن تغلب النظام على موجة الاحتجاجات في الشارع، فإن من المستبعد أن يكون طوى صفحة الغضب الداخلي في هذه المرحلة الانتقالية، إذ يبدو أن النظام آيل إلى الانزلاق شيئاً فشيئاً صوب طغيان العسكر على حساب المؤسسة الدينية المحافظة، لكن بعد أن يخرج المرشد الحالي من المشهد!