من العِلل التي تصيب العقل، وتسدُّ عليه قنوات الفهم والحيوية، الخضوع لمقولاتٍ كبسولية (من الكبسولة) والانطلاق منها والعود إليها، والانحباس داخل أقفاصها، دون قدرة على تجاوزها، أو تعديلها، حسب الوقائع الدامغة الجديدة.

هذا من حيث العموم، ومن حيث الخصوص، يرى بعض أهل الرأي، أنَّ هذه القاعدة العامة تنطبق على مقولة، طالما اُحتفي بها كثيراً في الميادين الإعلامية، وحلبات السوشيال ميديا، وهي:

إسرائيل، ومن خلفها أميركا، على تفاهمٍ كاملٍ وتنسيق دائمٍ، مع النظام الأصولي الإيراني، وأبرز تابعيه، هو حزب الله اللبناني. وأي شيء يوحي بوجود صدام حقيقي بين الطرفين، إنَّما هو لذرّ الرماد في العيون.

أمس، كما تابعتم، واصلت القوة الإسرائيلية ضرباتها في لبنان، بعد هجمة تفخيخ جهاز الـ«بيجر»، الصادمة، التي أودت بحياة وعيون وأعضاء الآلاف من كوادر «حزب الله» أو بعض أسرهم، ثم موجة ثانية من الهجمات على جهاز اللاسلكي «توكي ووكي»، وأخيراً الغارة الرهيبة على الضاحية الجنوبية - سنعود لها بعد قليل - وخلال ذلك غارات متتابعة على مرابض صواريخ «حزب الله» في الجنوب.

في الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية، أكّد «حزب الله» مقتل القائد العسكري إبراهيم عقيل ووصفه بيان الحزب بأنه «أحد كبار قادتها»؛ ليتضح أن عقيل هذا، هو الأبرز عسكرياً، بعد فؤاد شكر، الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية بالطريقة والمكان نفسهما.

عقيل القائد الأهم للحزب حالياً، قُتل ومعه نحو 16 من قيادات الصف الأول في «قوة الرضوان»، قوة النخبة للحزب الخميني، التي أسّسها رمزهم التاريخي (عماد مغنية). لدى من يقول إن هناك حالة «تخادم» وتفاهم بين واشنطن وتل أبيب وبقية الغرب، مع إيران الخمينية وتوابعها، خلاصته الخاصّة وهي:

الإبقاء على الخطر الإيراني مقصودٌ من الغرب لمنع العرب من الاتحاد، وإشغال المنطقة، وإشعال الفتنة الدائمة.

يُستدلّ على ذلك بتفاهمات وهدايا أوباما وحرص بايدن بعده على التواصل مع إيران وتطبيع وضعها السياسي، وأيضاً الامتناع عن القضاء على الخطر الحوثي في اليمن، جذرياً، مع القدرة على ذلك، بل ومنع «التحالف العربي» القضاء عليه، وأيضاً عدم اجتثاث إسرائيل - نتكلم عن الماضي - لـ«حزب الله»، ولقائده نصر الله، مع قدرتها، كما هو واضحٌ من عملياتها الأخيرة، على ذلك... وأدلة أخرى كثيرة، تُورد للبرهنة على أن الإبقاء على القوة الإيرانية، والبعبع الخميني، في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وحتى فلسطين، مقصودٌ لذاته، كما أن «حماس» نفسها، لولا دعم إسرائيل، خصوصاً نتنياهو، كما يقولون، لما حظيت بهذه القوة، والغرض تقسيم القرار الفلسطيني.

هل هذا الكلام صحيح؟ أم بعضه صحيح؟ أم كله غير صحيح؟ للحديث بقية.