بعد عام على الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض وضع استراتيجية خروج وتحويل النجاحات التكتيكية إلى إنجازات سياسية تحدث تغييراً طويل الأمد في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ما فعله نتنياهو حتى الآن، كان حملة انتقام دامية من سكان غزة، وإعادة احتلال القطاع، من دون أن يتطرق إلى "اليوم التالي" للحرب ولمستقبل هذه المنطقة التي كانت خاضعة للحصار الاقتصادي والعسكري الإسرائيلي منذ 2007. ومنذ اليوم الأول للحرب، رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي شعار تدمير "حماس" عسكرياً وسلطوياً، ورفض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، معتبراً أن لا فرق بين السلطة و"حماس"، وأن كلّاً منهما يطمح إلى تدمير إسرائيل على طريقته. ما استقر عليه رأي نتنياهو، هو احتلال مباشر للقطاع إلى أمد غير منظور، محدداً هدفين: "نزع سلاح غزة" و"نزع التطرف منها". متى يتم ذلك؟ الأمر خاضع لتحديد الحكومة الإسرائيلية وليس لأية جهة أخرى. كل الخطط التي لوحت بها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على غرار تشكيل إدارة دولية وعربية تشارك فيها السلطة الفلسطينية لغزة، رفضها نتنياهو، كما رفض اقتراحات وقف النار وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى، ويكرر أن الضغط العسكري وحده هو الذي سيجعل "حماس" تذعن وتطلق ما تبقى من أسرى على قيد الحياة، بالشروط التي تقترحها إسرائيل. وكذلك رفض تقويمات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية التي تفيد بأن قدرات "حماس" على توجيه ضربة لإسرائيل مماثلة لما حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، باتت معدومة، وأن "النصر المطلق" يرتقي إلى مستوى الوهم، لأن "حماس" تحولت اليوم إلى حرب العصابات وإلى نمط من الهجمات مماثل لذاك الذي كان سائداً قبل الانسحاب الإسرائيلي الآحادي من القطاع عام 2005. وانطلقت الصواريخ من القطاع على تل أبيب الإثنين في الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر. وخرج رئيس حزب "الوحدة الوطنية" بيني غانتس من مجلس الحرب في حزيران (يونيو)، بعدما أيقن أن نتنياهو لا يريد وقفاً للنار، على رغم أن موقفه ينطوي على مخاطر بالنسبة للأسرى الإسرائيليين، الذين يعتقد أن معظمهم قتل بسبب القصف الإسرائيلي. ولا يزال نتنياهو يعطي الأولوية لبقائه السياسي. وعندما كانت المفاوضات التي شاركت فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر، تقترب من نقطة الاتفاق، كان الوزيران المتشددان إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش يهددان بالخروج من الائتلاف الحاكم. فيعمد نتنياهو بعد ذلك إلى إضافة شروط جديدة تنسف كل الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف للنار. والمأزق الذي وصلت إليه إسرائيل في غزة، مرشح للتكرار في لبنان مع السعي إلى الدخول براً لدفع مقاتلي "حزب الله" إلى ما وراء الليطاني، بهدف إعادة مستوطني الشمال. وشجعت سلسلة الضربات القوية التي وجهها الجيش الإسرائيلي استخباراتياً وتكنولوجياً للحزب وصولاً إلى اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، نتنياهو على اتخاذ قرار بالاجتياح البري للحافة الأمامية للجنوب. ويخشى البعض في إسرائيل من أن يقود غياب استراتيجية للخروج من لبنان، إلى تورط طويل الأمد على غرار ما حصل في 1982، عندما غاص الجيش الإسرائيلي في الوحل اللبناني حتى عام 2000. كما أن تجربة التوغل البري الفاشلة عام 2006 لا تزال ماثلة للعيان. ويجمع المحللون والخبراء على أنه مهما راكمت إسرائيل من مكاسب تكتيكية، فإن ذلك لن يجعلها أكثر أماناً، في حال لم تترجم هذه المكاسب إلى حلول سياسية في غزة وفي لبنان. وهنا يدخل عامل مهم، متمثل في الولايات المتحدة التي ساهمت بقصد أو عن غير قصد في تهرب الحكومة الإسرائيلية من سلوك طريق الديبلوماسية، والاكتفاء بالعمليات العسكرية وتوسيعها في الإقليم. تصور إسرائيل أن التاريخ بدأ في 7 تشرين الأول 2023، وكأن ما حدث يومذاك جاء من فراغ وليس من كارثة عمرها 76 عاماً.
- آخر تحديث :
التعليقات