إيران بين سندان الحرب ومطرقة الأزمات المتراكمة، فالأزمة الإيرانية كبيرة ومتراكمة ومتفاقمة، وإذا لم يَفِق سياسيو إيران من غيبوبتهم عن الواقع المأزوم، ستكون النتائج كارثية على السلطة في إيران وعلى المنطقة إقليمياً، فاللعب بالنار والحرب لا يمكن أن يأتيان بالسلام والاستقرار سواء كانت حجج السلوك الإيراني، الذي هو مسببهما، الرد والثأر أو العربدة الإسرائيلية، فالنتيجة واحدة على المنطقة.
في مقابل إطلاق إيران مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل، كانت النتيجة أن تم اعتراض بعضها وأصاب بعضها القليل إسرائيل دون أضرار تُذكر، وهذا هو الهجوم الثاني الذي تشنه إيران هذا العام، بعد أن أطلقت مئات الصواريخ والطائرات من دون طيار على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي، مما أعطى انطباعاً عسكرياً بعدم جدوى الهجمات الإيرانية بسبب فشل أغلبها.
تواجه إيران تحدياً خارجياً وداخلياً ما بين اختراق منظومتها الأمنية في أعلى الهرم، وفقدانها قادة أذرعها في المنطقة، ولعل اغتيال نصر الله وخلفه صفي الدين ليس ببعيد عن مقتل إسماعيل هنية في جبة البيت الإيراني وسهولة وصول إسرائيل إلى أهدافها، وتلك التي قصمت ظهر البعير، وأظهرت حجم الاختراق الأمني إن لم تكن «الخيانة» بمفهومها الصريح دون خجل داخل كبار القادة الإيرانيين، الذين كثيراً ما تغنوا بالطاعة والولاء للولي الفقيه.
اغتيالات هنية ومن بعده نصر الله ثم صفي الدين، الخليفة الافتراضي لحسن نصر الله، وقادة كبار آخرين، شاكر وقبله مغنية، وُصفت جميعها بأنها «اصطياد» سهل قامت به إسرائيل، مما عزز تكهنات أنصار نظرية المؤامرة التي طالت السلطة في إيران بالتهم بالتخلص من أذرعها مقابل تسوية ملفات أخرى، ولكنّها تبقى تكهنات لا دليل عليها سوى الكهانة ونظرية المؤامرة في غياب أي مصدر يؤكد أو يفسِّر بشكل مقبول أسباب هذا «الاصطياد» السهل جداً لقيادات بهذا الحجم، ومن قبلهم علماء ذرة وقادة في «الحرس الثوري» على رأسهم قاسم سليماني.
الأذرع العربية لم تتلقَّ أي حماية أو سياسة ردع لإسرائيل من مهاجمة أذرع إيران، على العكس من ذلك نرى عربدة إسرائيلية، بل وتباهياً بالقتل والتدمير لأذرع إيران العربية في غزة ولبنان واليمن، وجميعها من «حزب الله» و«حماس» و«الحوثي» تدور في فلك إيران دون أن نرى أي فزعة حماية من الجانب الإيراني رغم أنها جميعاً كانت إيران تستخدمها في مواجهة إسرائيل و«أعداء» إيران بمفهوم السلطة الحاكمة في إيران.
إيران تعيش منذ فترة ما بين السلطة المأزومة داخلياً وخارجياً، والحرب الخارجية في ظل معالجة بالاختباء خلف الإصبع كأن الأزمة انتهت أو يمكن القفز عليها أو أنه يمكن تسويتها بملفات أخرى في المنطقة تمتلك إيران مفاتيح التحكم فيها من خلال أذرعها مثل «حزب الله» في لبنان والعراق أو «الحوثي» في اليمن، والتي كثيراً ما توظِّفها في تسوية أي نزاعات إقليمية أو تهديد داخل إيران.
سلطات إيران لم تعد تواجه مظاهرات الدول التي توجد فيها أذرعها الميليشياوية كلبنان والعراق، بل أصبحت تواجه الغضب الداخلي المكبوت والمتفاقم، في تلك البلدان التي استفاقت شعوبها من غيبوبة التخدير باسم المقاومة، فالمظاهرات الشعبية الإيرانية الساخطة وقودها الفقر والجوع والبطالة وغلاء المعيشة، وليس «المندسين» و«العملاء» و«الشيطان الأكبر» إلى آخره من المصطلحات المتكررة في كل معالجة لأزمة تواجه السلطة في إيران، ولكن الحقيقة أن المشكلة داخلية مطلقة وليست مؤامرة خارجية وإن طغت في هذه الأيام الحروب والملاسنة الصاروخية مع إسرائيل.
أزمات مكبوتة ومقموعة، يعاني منها الشعب الإيراني منذ تسلم نظام «ولاية الفقيه» واستخدام العصا الغليظة لقمع المعارضين في الداخل من خلال قوات أمن الباسيج و«الحرس الثوري».
تعاني إيران نسبة تضخم أكثر من 40 في المائة حالياً، ونسبة نمو تكاد تكون معدومة، وبطالة وعقوبات اقتصادية خانقة، جميعها تجعل خزينة الحكومة فارغة، والبلاد غارقة في مستنقع المرض والجهل والبطالة التي تجاوزت 15 في المائة وتضخم مال في ازدياد مطرد في بلد يعد منتجاً رئيسياً للنفط.
أزمات إيران ليست في العقوبات الخارجية كالتي تُسمى استراتيجية «الضغط القصوى» ضد السلطات في إيران، ولكنها في أزمات متراكمة عبر سنين طويلة من الاقتصاد المنهك بمصروفات خارج حدود إيران متجاهلةً سبل العيش الكريم في الداخل، بسبب تركيز سلطات إيران على أذرعها في الخارج ودفع مصاريفها بسخاء على حساب الداخل الإيراني، مما تسبب في حالة سخط داخلي غير مسبوق يهدد بالانفجار قبل أي انفجار يأتي من الخارج.
التعليقات