لا يزال العالم مديناً للضابط الروسي ستانيسلاف بيتروف الذي منع نشوب حرب نووية في عام 1983 بعد اتخاذه قرار اعتبار التنبيه الذي تلقاه من الأقمار الصناعية عن رصد خمسة صواريخ أميركية، مجرد إنذار كاذب. وقد استخدم حدسه في عدم اتخاذ إجراء لهذا الخطر المحدق باعتبار أن الولايات المتحدة لن تكتفي بإرسال خمسة صواريخ نووية. وبالفعل تبين أن خللاً ما قد أصاب النظام في تلك اللحظة مما أدى إلى إعطاء معلومة مغلوطة! وقد تم تَوبيخه من قبل المسؤولين لـ"توثيقه غير الدقيق" لخطر كان يهدد الاتحاد السوفياتي. المفارقة أن هذه الحادثة ظلت في طي الكتمان لسنوات بعد انهيار الاتحاد، غير أن بطل القصة قد حظي بإشادات دولية، ونال جائزة السلام بعد ثلاثين عاماً. وقد تم إنتاج فيلم وثائقي عنه بعنوان "الرجل الذي أنقذ العالم". في عصرنا، ارتقت تقنية إدارة المخاطرإلى آفاق مذهلة. فلم يعد هناك حاجة للاعتماد الكلي على الحدس، إذ صار في مقدور العلماء ارسال طائرات مسيرة بمجسات تحوم حول الأنقاض لتحلل هيكلها، وتقيس غازاتها، وتكشف عن دلائل تنفس الضحايا تحت الركام لتهرع فرق الإنقاذ نحو "البقعة" المنكوبة. ومثلما كان الإنسان يستدل من استنفار الدواب المفاجئ بقرب وقوع هزة أرضية، صار في مقدوره أيضاً معرفة وقت حدوث زلزال مدمر عبر نظام الإنذار المبكر. قبل أيام حذرت الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام من اعصار ميلتون وجابت سيارات ضواحي فلوريدا بمكبرات الصوت تناشد السكان سرعة مغادرة منازلهم لقرب وقوع الإعصار الأخطر من نوعه في تاريخ البلاد. وأصبح البشر يعرفون توقيت حدوث الخطر، مثلما تعلمت بطاريات الصواريخ في أي لحظة يجب أن تتصدى للقذائف الصاروخية التي تخترق سماءها. في إدارة المخاطر، تنقسم عملية التعامل مع المخاطر إلى ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل المخاطر التي تركز على الوقاية والتخطيط، مثلما فعل الضابط الروسي حينما استخدم حدسه. أما مرحلة الاستجابة أثناء المخاطر، فتتضمن التحرك السريع وتفعيل خطط الطوارئ، كإرسال فرق الإنقاذ والفنيين للتعامل مع الأضرار. بعد ذلك، تأتي مرحلة ما بعد المخاطر، حيث يتم تقييم الأداء واستخلاص الدروس لتحديث آلية العمل. وتُجري الحكومات والمنظمات عادة تقييمات شاملة لطرق الاستجابة لتحسينها في المستقبل. من حادثة بيتروف، نرى كيف يمكن لتصرف فردي أن يغير مجرى التاريخ، إذا لم يكن مدعماً بتكنولوجيا متقدمة أو نظام رقابي وإداري فعال. ولهذا تحرص الهيئات الرقابية على وجود لجان مخاطر تابعة لمجالس الإدارة وفيها مدققون خارجيون يصنفون كل مشكلة إلى عالية المخاطر ومتوسطة ومنخفضة. فقد يؤدي تجاهل بعض المخاطر الصغيرة إلى تحولها لممارسات خطيرة قد تتحول إلى مخاطرة عالية بعواقب وخيمة. ولذلك قيل:"درهم وقاية خير من قنطار علاج."