تمثل الضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل لـ"حزب الله" بدءاً باغتيال القائد العسكري الأعلى فؤاد شكر، ووصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله وخلفائه المحتملين، ضربة "تحت الحزام" لإيران ولسياستها التوسعية في المنطقة، وستكون في حال نجحت في تحطيم البنية العسكرية الاستراتيجية للحزب المذكور أشبه بعملية إجهاض لأكبر الاستثمارات الجيوسياسية الإيرانية منذ 1979. فعلى العسكر من سائر الميليشيات الإيرانية الأخرى يتمتع "حزب الله" بخصوصية النجاح في بناء هيكلية عسكرية وأمنية وبشرية متماسكة إلى حد بعيد، يضاف إليها التغلغل ضمن الانتشار في القارات الخمس حيث تقيم جاليات البيئة الحاضنة وتعمل وتجني أموالا معتبرة من أعمالها الناجحة إلى حد بعيد، لا سيما في أفريقيا وأميركا الجنوبية. وثمة مراقبون يعتبرون أن تحطيم الماكينة العسكرية لـ"حزب الله" في لبنان هو المدخل الذي لا بد منه لاحتواء السياسة التوسعية لإيران في المنطقة. وانطلاقاً من ذلك من المهم إدراك موقع "حزب الله" ضمن تركيبة الميليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة. والبداية أساسها أنه كان يضطلع بمهمة التنسيق بين الميليشيات من العراق إلى اليمن. وبالتالي فهو مركزي بالنسبة إلى طهران. ومن هنا فإن نجاح إسرائيل وخلفها الولايات المتحدة في تحطيمه عسكرياً وإجباره على التحول نحو العمل السياسي والاجتماعي سيشكل زلزالاً في السياسة الخارجية الإيرانية، سينعكس حتماً على سائر الميليشيات الأخرى التي ستضعف تلقائياً. نتحدث اذاً عن احتمال تحطيم الهيكلية العسكرية التي يمتلكها "حزب الله". وهو لا يزال احتمالاً، وليس مؤكداً حتى الآن أن إسرائيل وخلفها أميركا ستمضيان قدماً في العملية، أو أنهما ستنجحان في بلوغ الهدف. لا تزال الحرب في بداياتها، وهي حرب قاسية على جميع الأطراف، لاسيما على لبنان المنقسم عمودياً بين من يناصر الحزب ومن يخاصمه. لكن من الواضح أن أكثرية المكونات اللبنانية تخاصم الحزب ووظيفته الإقليمية التي تسببت في اشتعال الحرب الحالية مع ما حملته وتحمله من ويلات. من هنا خطورة الموقف، لاسيما أن أحد الأخطار الجانبية لهذه الحرب قد يتمثل بتهجير جزء من بيئة "حزب الله" الحاضنة من أجزاء مهمة من الجنوب اللبناني، وذلك لمدة طويلة قد تدوم سنوات. من الواضح أن الحرب ليست سياسية، ولا حدودية بالمعنى الإسرائيلي التقليدي، إنها حرب ضارية بين وجودين، إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى، أهم الأذرع الإيرانية في المنطقة "حزب الله". وإذا كان ثمة استنتاج من الرسالة التي حملها رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف المعروف بتشدده وتطرفه إلى المسؤولين اللبنانيين وما تبقى من قيادات "حزب الله" تحت الأرض ودعت إلى الصبر والصمود تحت شعار "المقاومة ليست وحيدة"، فهو أن طهران تجد نفسها مجبرة على القتال في لبنان على قاعدة أن انهيار التنظيم العسكري – الأمني لـ"حزب الله" معناه انهيار الجدران الدفاعية للنظام في إيران. إنه إضعاف كبير، لا بل إنه خطير على النظام وفق القراءة التي تقول إن الخروج من بيروت هو بداية الخروج من طهران نفسها. فخيار طهران هو القتال خارج الحدود كيلا تقاتل داخل الحدود. وإذا ما سقطت "القاعدة اللبنانية" المتقدمة على البحر المتوسط، فإن الساحة السورية ستكون مهددة تلقائياً وإلى حد كبير. ولعل التحولات الأخيرة على مستوى الحكم في سوريا بالنسبة إلى العلاقة مع ما يسمى "محور الساحات" بشكل يفيد بأن ثمة تغييراً وبأنه في بداياته في مقاربة العلاقة بين نظام الرئيس بشار الأسد وطهران. لكن يخشى من يراهنون على تحول في سوريا "المفيدة" تهور طهران في الوقت الذي يحتمل أن تخسر الاستثمار الجيوسياسي الأهم في تاريخ النظام، ونعني البناء العسكري- الأمني في "حزب الله". فالوظيفة العسكرية – الأمنية للحزب هي أهم اختصاصاته قبل أي شيء آخر. استنتاجاً، إن الحرب كبيرة... إنها زلزال جيوسياسي.
- آخر تحديث :
التعليقات