تدفع غزّة، كما يدفع لبنان، ثمن فشل المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. كلّ ما استطاعت "الجمهوريّة الإسلامية" عمله هو دفع "حزب الله" إلى فتح جبهة جنوبي لبنان في خطوة أقرب إلى جريمة، كلّفت لبنان واللبنانيين الكثير، ولا شكّ أنّها ستكلّفهم أكثر في المستقبل القريب. اللافت في الوقت ذاته أنّ فتح جبهة جنوبي لبنان لم تأت بأيّ فائدة تذكر إلى غزّة، التي ذهبت ضحية "طوفان الأقصى" وحسابات شخص اسمه يحيى السنوار، الذي لا شكّ في حماسته ووطنيته، لكنّه لا يعرف شيئاً عن العالم وعن الموازين الإقليمية وكلّ ما له علاقة بالسياسة، خارج إطار غزّة. لماذا يمكن القول إن المشروع التوسّعي الإيراني فشل، باستثناء أنّه خرب العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ على الصعيد العراقي، نجد إيران مضطرة إلى إستخدام نفوذها من أجل إبقاء حكومة محمّد شياع السوداني على قيد الحياة. تفعل ذلك على الرغم من كلّ الفضائح، التي تسببت بها هذه الحكومة، التي فشلت في إقامة حد أدنى من التوازن في العلاقات بين الدول العربيّة من جهة و"الجمهوريّة الإسلاميّة" من جهة أخرى. أكثر من أي وقت، تظهر بوضوح سيطرة ميليشيات "الحشد الشعبي" على القرار السياسي في العراق. ليس في الإمكان نهوض بلد تسيطر عليه ميليشيات من أي نوع، فكيف إذا كان الأمر متعلّقاً بميليشيات مذهبية ذات ولاء لقوة خارجية ممثلة بـ"الحرس الثوري" الإيراني تحديداً؟ في سوريا، لا حاجة إلى الذهاب بعيداً للتأكّد من الفشل الإيراني. من دون الدخول في التفاصيل، كان كافياً توجيه إسرائيل تحذيراً إلى بشّار الأسد بأنّ في استطاعتها استهدافه شخصياً كي يتظاهر رئيس النظام السوري، الذي أبقته ميليشيات إيران في دمشق، بأنّه ميت. لا حياة لمن تنادي في دمشق عندما يتعلّق الأمر بنصرة غزّة أو "حزب الله"، الذي أدى دوراً أساسياً في الحرب التي شنّها، والتي لا يزال الأسد الابن يشنّها، على شعبه منذ آذار (مارس) 2011 . في لبنان، حيث تمتلك "الجمهوريّة الإسلاميّة" قرار الحرب والسلم، فقدت إيران درّة التاج في مشروعها التوسّعي. مهما قيل ويقال عن "حزب الله" وصموده، فإن هذا الحزب الذي سيطر على الحياة السياسية والاقتصادية للبلد، والذي استطاع إيصال ميشال عون وجبران باسيل إلى قصر بعبدا، لم يعد الحزب الذي عرفناه. بعد كلّ الخراب الذي حلّ بلبنان، لا قيامة للبلد في يوم من الأيام ما دام "حزب الله"، بشكله الذي عرفناه، واقفاً على رجليه. تبيّن، بكلّ بساطة، أن لا مستقبل للبنان كدولة قابلة للحياة ما دامت هذه الدولة هي "دولة حزب الله". لا حاجة إلى الدخول في تفاصيل ما ارتكبته إيران في اليمن. مهما ارتفع صوت الحوثيين، ومهما صعّدوا عسكرياً وأطلقوا تهديدات، ومهما أطلقوا صواريخ ومسيرات باتجاه إسرائيل، تبقى فاعلية هذه الميليشيا الإيرانيّة محدودة.يدفع اليمن واليمنيّونثمن ممارسات الحوثيين في نهاية المطاف. يبقى أهمّ من ذلك كلّه الوضع الداخلي الإيراني، الذي يشير إلى حال ارتباك لا يعوضها التحرّك باتجاه دول المنطقة، خصوصاً الدول العربيّة. دخلت إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. أرادت تفادي هذه المواجهة في كلّ وقت. أرادت عملياً خوض كلّ الحروب بالوكالة مستخدمة ميليشياتها المذهبيّة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. اقتربت ساعة الحقيقة أمام النظام الإيراني. بات يوسّط أطرافاً عربيّة لدى "الشيطان الأكبر" الأميركي كي تخفّف إسرائيل من حجم الضربة التي يتوقع توجيهها إلى منشآت في داخل إيران. أليس ذلك الفشل بكلّ ما في كلمة فشل من معنى للمشروع التوسعي الإيراني؟
- آخر تحديث :
التعليقات