مخطئ من يظن أن المسؤولية الاجتماعية اصطلاح طارئ في مجتمعنا ورد لنا ضمن المصطلحات الحديثة المستوردة من الدول التي تدعي الابتكار والتقدم في كل المجالات.. أقول ذلك لأن المسؤولية الاجتماعية إرث أصيل في مجتمعنا مارسه الأجداد والآباء من منطلق ديني يدعو إلى التعاون على البر والتقوى.

ومن البر أن تساعد جارك حينما يريد أن يعمر منزلاً أو يحرث أرضاً أو يجني ثمراً من مزرعته.. وكانت هذه المساعدة تعرف بالمعونة أو "الفزعة" وتكون مجاناً وبنفس راضية جداً بل أن من لم يشعر بموعد "الفزعة" يعتب ويعبر عن الاحتجاج بأشد العبارات.. وقد أشرت في مقال نشرته في هذه الجريدة قبل نحو 6 سنوات (أن مصطلح المسؤولية الاجتماعية عبارة عن نظرية أخلاقية تحث على العمل لمصلحة المجتمع سواء من قبل الأفراد أو المنظمات والشركات وقطاع الأعمال بصورة عامة ولو تعمق البحث في أصل المصطلح لوجدناه واضحاً في التعاليم الإسلامية التي سبقت الفكر الغربي) ودعوت حينها إلى وضع هذا الموضوع على طاولة البحث بشكل مكثف.

وفي الأسبوع الماضي عقدت في الرياض النسخة الأولى من الملتقى الدولي للمسؤولية الاجتماعية برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. وقام بافتتاحه وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد الراجحي بحضور عدد من الوزراء ونخبة من الرؤساء التنفيذيين والخبراء والمختصين وصناع القرار في مجال المسؤولية الاجتماعية على الصعيدين المحلي والعالمي..

وأكد الوزير الراجحي أن إشادة مجلس الوزراء برعاية الملك سلمان لإحداث الملتقى يجسد اهتمام السعودية البالغ بمجال المسؤولية الاجتماعية من خلال دعم الابتكار والحوار وصولاً إلى الريادة في هذا المجال انطلاقاً من رؤية 2030 حيث تحققت شراكات مثمرة تفتح آفاقاً جديدة لمستقبل مشرق، ما يعزز الجهود التي تبذل لبناء مجتمع مستدام.. وقد صاحب الملتقى توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين جهات حكومية وخاصة تعزيزاً لمبادرات المسؤولية الاجتماعية، وقد شهد الملتقى أكثر من 3000 زائر وعقدت أكثر من 40 جلسة حوار متنوعة ناقشت دور الجهات والشركات في مجال المسؤولية الاجتماعية.

وأخيراً: يأتي عقد ملتقى المسؤولية الاجتماعية في إطار الجهود السعودية لتعزيز دورها في المسؤولية الاجتماعية ويؤكد مكانتها الدولية كأحد أكبر وأسرع الاقتصادات العالمية نمواً والمؤمل أن تستجيب جميع قطاعات الأعمال وخاصة الشركات والبنوك الكبرى لتوجهات الحكومة وطبيعة المجتمع المليء بالرغبة في فعل الخير و التكافل لتزداد مساهمة هذا القطاع في نشاطات المسؤولية الاجتماعية بما يجعلنا نحتل المكانة التي تعكس طبيعة ارتباطنا بعمل الخير والمسؤولية الاجتماعية فطرة، ونحقق تقدما أكبر في مؤشر المسؤولية الاجتماعية، حيث يظهر الكتاب السنوي للتنافسية العالمية أنها تحتل المرتبة 16 عالمياً وهذه لا تعبر عما نستحق أو نستطيع، وبما يتفق مع مكانة بلادنا الدولية ودورها في مد يد العون ووضع بذور الخير بالمبادرات والمعاهدات والمراكز التي تقترحها أو تدعمها في المنظمات العالمية ومع الدول المحتاجة.

والملاحظ أن تحولاً بارزاً في مجال المسؤولية الاجتماعية قد تحقق خلال السنوات الأخيرة بعد أن أصبح القطاع الخاص لاعباً محورياً ومؤثراً في دفع عجلة التنمية المستدامة ودعم المجتمع بشكل أكثر جدية، وينتظر من المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي الاستعجال في تطوير المؤشرات وسن الضوابط و وضع المقاييس التي تساعد القطاع الخاص على اختيار المجالات الأكثر فاعلية لاستثمار مساهمته المجتمعية فيما يحدث الأثر و يسد الحاجة الأكبر ويمنع الازدواجية أو التركيز على جوانب من أبواب الخير دون غيرها.