عبدالرحمن الحبيب

لا تعد جائزة نوبل للاقتصاد جائزة أصلية لأنها تأسست متأخرة في عام 1968، وقد نأى أربعة من أقارب نوبل بأنفسهم رسميًا عنها، رغم أن الفائزين بها يتم اختيارهم من قبل الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم مثل بقية جوائز نوبل التي أنشأها ألفريد نوبل عام 1895 بموجب وصيته. ومن بين أشد الناقدين محامي حقوق الإنسان السويدي بيتر نوبل، وهو حفيد ألفريد نوبل، متهماً منح جائزة الاقتصاد بإساءة استخدام اسم عائلته، وصرح بأنه لم يكن لدى أي عضو في عائلة نوبل أي نية لإنشاء جائزة في الاقتصاد، وأن «نوبل كان يحتقر الأشخاص الذين يهتمون بالأرباح أكثر من رفاهية المجتمع.. فلا يوجد ما يشير إلى أنه كان يريد مثل هذه الجائزة.. وأن الارتباط بجوائز نوبل هو انقلاب علاقات عامة من قبل خبراء الاقتصاد لتحسين سمعتهم».

هذه السنة ثارت انتقادات حادة على نحو غير عادي من داخل الأوساط الأكاديمية لجائزة نوبل في الاقتصاد بعد منحها للبروفسورات: دارون أسيموغلو وسيمون جونسون (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)، وجيمس روبنسون (جامعة شيكاغو)، لأبحاثهم في فوارق الرخاء بين الدول وأسباب نجاح بعضها وفشل أخرى، من خلال بحثهم: «الأصول الاستعمارية للتنمية المقارنة: تحقيق تجريبي»، ولدراساتهم حول كيفية تشكيل المؤسسات وتأثيرها على الرخاء.

زعم هؤلاء الباحثون أن الاختلافات بين ازدهار الدول المستعمَرة يرجع للمؤسسات التي أنشأها المستعمرون الأوروبيون، فمثلاً في شمال الولايات المتحدة وكندا، أنشأ الأوروبيون مؤسسات «شاملة» تحمي الحريات الفردية وحقوق الملكية، وتفرض سيادة القانون، وتثقف شعوبهم، وتشجع الإبداع وروح المبادرة.. وأن أميركا الشمالية كانت تضم عدداً أقل من السكان الأصليين، وبالتالي كان بوسع الأوروبيين أن يستقروا بأعداد كبيرة ويشرعوا في حكم أنفسهم. أما في أميركا الجنوبية والوسطى، حيث كانت توجد إمبراطوريتا الإنكا والأزتك، كان عدد السكان الأصليين أكبر من أن يتمكن الأوروبيون من الانتقال إليها وحكم أنفسهم؛ وبدلاً من ذلك، قدم المستعمرون الأوروبيون أو حافظوا على مؤسسات استخراجية قائمة بالفعل (اقتصاد ريعي) كانت موجهة أكثر نحو استغلال وقمع السكان الأصليين؛ ولم تكن هذه المؤسسات تهدف، على سبيل المثال، إلى حماية الحرية الفردية، أو الاستثمار في السكان وتثقيفهم، أو تشجيع الإبداع.. إلخ.

هذه الفرضية التي تعطي المؤسسات الدور الأساسي في خلق الثروة، والسبب وراء فقر بعض المستعمرات السابقة، تعرضت لانتقادات حادة من عدة جهات لتجاهلها التأثيرات التي خلفها الاستعمار على البلدان المستعمرة، وكيف لا يزال العديد من هذه البلدان تعاني من آثار الاستعمار.

الكاتب والمؤرِّخ هوارد دبليو فرينش (أمريكي من أصول أفريقية)، وأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، طرح نقداً شديداً لهذه الفرضية، مما يكشف عن استمرار الانقسام الحاد بين علماء الاجتماع والمؤرِّخين من جهة وخبراء الاقتصاد من جهة أخرى، حيث كثيراً ما يزعم علماء الاجتماع أن خبراء الاقتصاد يتنكرون في هيئة علماء، في حين يرد خبراء الاقتصاد بأن المتخصصين في المجالات الأخرى لا يقدرون إلا قليلاً العوامل القابلة للقياس التي تدخل في الحياة الاقتصادية للأمة.

يقول فرينش «إن ما يميز أسيموجلو وجونسون وروبنسون هو أنهم في عملهم الذي نالوا الجائزة حديثاً تظاهروا بأنهم يفهمون التاريخ أكثر مما يستحقون، وقد أثار هذا سخرية المؤرِّخين بشكل خاص، وكان أحد أكثر التعليقات رفضاً لاستخدام التاريخ في عملهم هو أنه يبدو وكأنه «مداخل ويكيبيديا مع ضعف». ويرى فرينش أن هؤلاء الباحثين نسوا تأثير بيئة المرض المدمرة لأفريقيا مما فرضت خسائر فادحة على الأفارقة أنفسهم واستنزافهم، فالأوبئة ليس مجرد مسألة مرض بشري، فمثلاً كان الأفارقة جنوب الصحراء الكبرى يفتقرون إلى حد كبير إلى عمل أهم حيوان جر ومصدر للسفر البري السريع: الحصان.. لماذا؟ بسبب الانتشار الواسع لذبابة التسي تسي، التي تنقل الأمراض القاتلة للماشية.. ولأسباب مختلفة، تفتقر أميركا الجنوبية، التي كانت في حد ذاتها موقعاً لإمبراطوريات تاريخية عظيمة، إلى هذا الحيوان الحاسم الذي يحمل الأثقال.

وحتى بعض خبراء الاقتصاد المتعاطفين انتقدوا عمل أسيموجلو وجونسون وروبنسون. على سبيل المثال، كتب أرفيند سوبرامانيان، وهو زميل بارز بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، مؤخراً أن «فكرتهم في أهمية المؤسسات قديمة قدم دوجلاس نورث إن لم يكن آدم سميث؛ ورؤيتهم القائلة بأن الاستعمار شكل تطور المؤسسات ليست جديدة ولا متماسكة تاريخياً ولا حتى دقيقة؛ وإستراتيجيتهم في استخلاص السببية من التجربة الطبيعية للاستعمار قابلة للنقاش لأنها لا تستطيع التمييز بين الأماكن التي ذهب إليها المستعمرون ورأس المال البشري الذي جلبوه معهم؛ والبيانات الخاصة بالمتغير الرئيسي، أو «وفيات المستوطنين»، معيبة ومختارة بشكل انتقائي؛ وأخيراً، ولبعض هذه الأسباب، فإن النتائج التجريبية متزعزعة وغير قوية».

عمل الثلاثة الفائزين بهذه الجائزة الأخيرة للاقتصاد، يبدو أنه يتجاهل كيفية نمو القوى الأطلسية وازدهارها، حسبما يذكر فرينش، موضحاً أن ذلك قد يكون نتيجة حالة من استسلام الغرب لنوع من الإطراء الذاتي: الإيمان الساذج بفضائل شعبه في تحديد مصائر الأمم، بينما ينسى كيف أن عمل الناس الذين استوطنوا أراضيهم أو استعمروها أو غزوها ربما كان العامل الأكثر حسماً في العصر الحديث.