أحد أفضل من كتب عن الإخوان في الكويت، تاريخاً وتنظيماً وخطراً، هو الباحث الزميل خليل علي حيدر. لاحظ، في مقاله الأخير، مدى تواضع قياداتهم، وفشلهم السياسي، بالرغم من مرور قرابة قرن على تأسيس حركتهم، فإنهم بقوا في الخارج، مع الاعتراف بنجاحهم في جذب مئات الآلاف إلى تنظيمهم، كقوى عاملة، ظاهرة وخفية، إضافة إلى جمع كبير من المؤيدين، وكان العامل الأكبر وراء كل ذلك هو تفشي الأمية، وشبه انعدام الثقافة في مجتمعاتهم، وفقرها، ورأينا كيف سهُّل عليهم كسب ملايين الأصوات، في انتخابات مرسي، من خلال توزيع تنكات الزيت وأكياس الدقيق.
يقول الزميل حيدر، في إشارة إلى مقال للزميل الآخر، حامد الحمود، أثار اهتمامه، لتركيزه على العلاقة الشديدة التوتر بين جماعة «الإخوان المسلمين» وبين الفكر والتجديد والثقافة بمختلف مجالاتها، وهي مشكلة يعاني منها الإخوان في الكويت وبقية العالم. والسبب أنها تروّج لأفكار وقيود لا يمكن أن تنتج أدباً أو فكراً إنسانياً أو ثقافة، بالرغم من أنها تضم تياراً بشرياً واسعاً من الرجال والنساء منذ قرن، في بلاد وظروف شتى، داخل العالم العربي وأوروبا وأمريكا وغيرها. وكان الإخوان يتحججون، لعقود، بأنهم مضطهدون ومطاردون أو خلف القضبان، وهذا حرمهم من الإبداع، وهذا غير صحيح، فهم موجودون منذ عقود في دول عربية وإسلامية وأوروبية وأمريكية، ديموقراطية وليبرالية وغنية، تتمتع بحريات ومكتبات وجامعات أكثر من أي مكان، وتحت سيطرتها ثروات ضخمة، وبينهم خريجون ومتعلمون وشركات نشر ومطابع، ولكنها بقيت عقيمة فكرياً وفقيرة أدبياً، ومنعدمة فنياً، وكأن لا رابط بينها وبين ما يمر به العالم من حراك ومخاض في عشرات المجالات العلمية والثقافية والذكاء الاصطناعي، وكأن همها الوحيد، صبحاً وعشياً، هو أداء الشعائر، بغية إرضاء الخالق، ولتفعل الأيام بهم ما تشاء. وقد يكون هذا من حسن حظ مناوئيهم، فكرياً وسياسياً، فتجمع أو تنظيم بهذا الانتشار والقوة المالية والبشرية، كان من الممكن أن يشكل خطراً حقيقياً، لكنه أثبت فشله وعقمه، وتبيّن ذلك جلياً خلال فترة العام، التي حكموا فيها مصر، فلم يكن لهم همّ غير التركيز على توافه الأمور، ولم يأت ذلك مصادفة، بل بسبب خواء أفكارهم، وشبه انعدام معارفهم، وقلة حيلتهم في المواءمة بين متطلبات العقيدة، ومتطلبات العصر، ومتطلبات حكم الدول، الأكثر تعقيداً.
يتساءل الزميل حيدر عن السبب وراء هذا الجفاف الثقافي وندرة الإنتاج الأدبي والفكري، وبشكل محرج، بالرغم من مرور الآلاف منهم بتجارب ثرية، داخل السجون وخارجها، كان يفترض أن تلهمهم أجمل الروايات، وأروع القصائد والملاحم الشعرية، هذا إلى جانب ما يمكن استلهامه من حبكات مسرحية وقصص سينمائية وتحليلات فكرية، ومع هذا فشلوا في كل ذلك، ولم ينتجوا شيئاً، خارج نطاق الفتاوى والزجر والمنع والتحريم؟ كما ليس هناك تقريباً روائي أو شاعر أو أديب معروف على نطاق عربي، ينتمي للإخوان، وظلوا سجناء كتب الأسبقين، وما أنتجته أفكارهم. فهل السبب يعود لأنها حركة عقائدية ملتزمة، أم أن أفكار وقيود وأجواء «الجماعة» تجفّف ينابيع الثقافة والإبداع الأدبي؟ ويلاحظ حيدر أن الثقافة العربية والعالمية عرفت روائيين وشعراء كباراً «ملتزمين»، وأعضاء في حركة سياسية عقائدية، فلماذا لا نجد أمثال هؤلاء بين «الإخوان المسلمين»؟ هل لأن الإبداع الأدبي والفكري، إلى جانب الثقافة والمهارة والموهبة، يتطلب شروطاً تتعلق بروحية التجديد والتمرد، مع هامش حرية كبير، وتوفر الرؤية الإنسانية للتجربة البشرية والاستفادة منها؟ حتماً، فحركتهم دينية محافظة معادية للتمرّد، لا علاقة لها بروح العصر، إلا بما يخدم مصالحها الانتخابية والمادية، مع شكها في كل ما له علاقة بالثقافة والفن والأدب، فعدم إيمانها بالإبداعات البشرية، الناتج عن عدم إيمانها بالحرية، جعلها مريضة نفسياً، وجافة فكرياً، وشرسة اجتماعياً.
أحمد الصراف
التعليقات