شغلت قضية شيعة لبنان، وقصة السياسة الخارجية غير الرسمية الإيرانيّة- تأتي سيرة موسى الصّدر(المختفي: 1978) موضوعها الأول- فصولاً من كتاب آراش رايزنجاد «شيعة إيران وأكراد العراق وشيعة لبنان»، الصَّادر (2018-2019) عن دار «بالجريف ماكميلان»، وبمعلومات منسية، لا نجد حتى التلميح إليها، في ما كُتب مِن قَبل.
وصل الصّدر بيروت حاملاً همَ الطائفة الشيعية بلبنان على كاهله، دون فصلها عن بلادها. تم ذلك بموافقة شاه إيران، وبطلب مراجع الشيعة مثل: حسين البروجردي(ت: 1961) بقمّ، ومحسن الحكيم(ت: 1970) بالنّجف، وسرعان ما أصبح الصّدر محل تقدير زعامات لبنان، وكانت لديه الرغبة في مد علاقات طائفته مع المحيط العربيّ، فاتصل بالملوك والأمراء العرب، كما ظهر في خطبه وتوجيهاته بعيداً عن الطّائفيّة.
لكنَّ الظُّروف حتمت، تشكيل ما عُرف بأفواج المقاومة اللبنانيّة(أمل)، وقبلها تأسيس المجلس الإسلامي الشِّيعي، فجذب عليه العداوة والحسد، مِن قِبل وجهاء شيعة لبنانيين، فإذا كان مدعوماً من قِبل المرجع عبد الحسين شرف الدّين(ت: 1957)، في أن يحل محله لقيادة الشيعة دينياً، ناصبه ولده العداء، ومن هنا بدأت المتاعب تهطل عليه، ومصدرها شاه إيران نفسه.
عندها تخلى الشَّاه عن دعمه لبناء مستشفى، ومرافق خدمية للشيعة، فوضع الصَّدر في موقف محرج مع الطائفة. يومها أخذت السّفارة الإيرانية، تقدمه عدواً للشاه، يعمل مع الثوريين ضده، وبالمقابل أنَّ الثوريين لم يثقوا به، لصلته بالبلاط البهلوي، ولم يقتنع هؤلاء بسحب جوازه الإيرانيّ، وأنه لا يريد أن يكون عميلاً في أجهزة الشَّاه غير الرسمية، ولا عدواً.
عندما وصل الصّدر لبنان (1956)، أول مرة للاستقرار بها، قدم نفسه لبنانيَّاً لا إيرانيَّاً، راجعاً بجوارحه إلى أُصوله بجبل عامل، رافضاً التعاون مع السَّفارة الإيرانيَّة ببيروت، ونقطة جهاز السَّافاك، وحينها مُنح الجنسية اللبنانية والجواز اللبنانيّ، وهذا ما جعله لا يتأثر بسحب جوازه الإيرانيّ.
لم يكن الصَّدر بصف رجال الدين الثوريين، فمِن جانبهم أسقطوا اسمه كرجل دين، بعد زيارته لإيران ومقابلة الشَّاه، بينما كان يتوسط لإطلاق سراح سجناء، من أولئك الثوريين.
لكنَّ هناك مَن كان يفكر به أن يصبح يوماً زعيماً للثورة، بديلاً عن آية الله الخميني(ت: 1989)، لكبر سن الأخير. كان هذا الأمر يُتداول، ولم يكن الصّدر على عِلم به، غير أنَّ المحيطين بالخميني بالنّجف، قد جعلوه عدواً، بعد إرسال برقية التعزية بوفاة محسن الحكيم إلى أبي القاسم الخوئي(ت: 1992)، وليس إلى الخميني، ومعلوم أنّ تعزية الخوئيّ تعني الاعتراف بمرجعية الأخير، بينما كان مصطفى الخميني(ت: 1977)، يريد لأبيه أن يكون مرجعاً دينياً لا سياسياً، فكان يناقشه كثيراً في ولاية الفقيه(فاطمة طباطبائي، ذكرياتي). ظل هذا الشعور قائماً تجاه الصَّدر حتّى اختفائه.
ماذا يعني تأثير الصَّدر لو كان موجوداً عند انطلاق الثورة، وقد اختفى قبلها بشهور؟ قدم رايزنجاد فرضيات للتخلص مِن الصّدر، منها يتعلق بتأثيره المحتمل في الثورة، فهو ليس مع الإطاحة بالشّاه، وهذا لا تريده ليبيا القذافيّ، وبعد كثرة البحث عنه، وجهود الشَّاه نفسه لإنقاذه، واختلاف الوساطات، ومنها ما عُرض على أنور السَّادات، أجاب الأخير: «أُعدم السّيد الصّدر، وأُلقيت جثته في البحر المتوسط»، وعندما أُخبر الشّاه، «جلس على كرسيه لمدة 10 دقائق» صامتاً.
خلال الشُّهور، التي عقبت اختفاء الصّدر، افتضح أمر الحاملين له الضَّغينة، مثل السَّفير الإيراني ببيروت ورئيس نقطة السَفاك. هذا، واختفاء الصّدر، وسقوط الشَّاه، بعد عام، انتهت قصة السّياسة الخارجية الإيرانيّة غير الرسميَّة، وقد حرص الصَّدر ألا يتورط شيعة لبنان بتبعية لغير بلادهم، وإن كان شاه إيران، الذي قدم نفسه قائداً للشيعة، ليبدأ فصل آخر بين إيران وشيعة لبنان.
*كاتب عراقي
- آخر تحديث :
التعليقات