محمد سليمان العنقري
بناء القرار في أسواق المال والسلع والأصول العقارية وكل ما يمكن اعتباره مجالاً استثمارياً او مصدراً لحفظ القيمة او تنمية الثروة يكون وفق قواعد السوق التي ترسخت من خلال التخصصات العلمية والخبرات الميدانية، ولذلك قيل «اعطي الخبز لخبازه» وهي اشارة لضرورة ان تلجأ لمختص في كل مجال تماماً كما تتجه للطبيب عند المرض فالأسواق أكبر من الجميع، ولكن يبقى دور أهل الخبرة مهم في تحسين الاداء خصوصاً على المديين المتوسط والطويل إذا كان الحديث عن الاستثمار وتحديداً في مشاريع المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
لكن مع سهولة ايصال الرسائل والآراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح كم النصائح المتعلقة بعالم المال والأعمال والادارة المالية للافراد التي تطلق يومياً ضخماً جداً ومنها الجيدة وأخرى سلبية وعشوائية وهي الاخطر؛ لأنها تحمل ميلاً شعبوياً في الطرح فهناك من يقدم نصيحة للعموم بكيفية إنشاء شركة او مؤسسة ويضعها في قالب يشعرك ان الامر في غاية السهولة، بل يتحدث عن اتجاه واحد وهو النجاح المطلق وكأنه يقول للمتلقي ما يفصل بينك وبين الثروة والنجاح فقط تأسيس مشروعك، وتعبر مثل هذه النصائح عن جهل مركب فلكل نشاط سوقه وحجمه وظروفه ويحتاج المستثمر لدراسة جدوى اقتصادية لمشروعه ومعرفة كافة تفاصيل السوق والاقتصاد ومن هم شريحة العملاء ومصادر التمويل وتكلفتها فهي من اكبر التحديات التي تواجه المنشآت الجديدة فيكفي التذكير بنتائج شركات السوق المالية والتي عمر بعضها يتجاوز 30 عاماً ولديها خبرات عالية وأصول جيدة وحصص سوقية منافسة ومركز مالي قوي، ومع ذلك تاثرت نتائجها بارتفاع تكاليف تمويل اعمالها فكيف سيكون الحال مع منشآت حديثة قد لا يمتلك ملاكها خبرة كافية لكي يستطيعوا مقاومة تحديات السوق وتكاليف أعمالهم، بل.. هل يعلم من يطلق هذه النصائح ان نسبة المنشآت الحديثة التأسيس التي تبقى بعد خمسة اعوام مستمرة بالعمل والنمو محدود جداً قد لا يصل الى 50 بالمائة، وهي نسب عالمية ولا تقتصر على سوق او دولة معينة ولأسباب عديدة يسقط الكثير منها إما لنقص الخبرة او منافسة قوية او ظروف الاسواق والاقتصاد الذي تعمل تحت مظلته والعديد من الأسباب، ولذلك من الخطأ تصوير تأسيس المشاريع بهذه البساطة والسطحية بالطرح.
وهناك أيضا من يقدم نصائح مالية للافراد حول كيفية شراء أصل مثل مسكن وطرق تمويله، وكم نسبة الاستقطاع المناسبة؛ فهذه تعتبر نصائح عامة بالمجمل والجهات الاشرافية تضع معايير استرشادية ملزمة لكن بالنهاية تختلف قدرات كل فرد عن اخر، فمنهم من لا يمكن أن يتحمل اقتطاع حتى 20 بالمائة من دخله، ومنهم من يتحمل حتى 50 بالمائة، وذلك لاختلاف حجم الدخل وأيضاً الالتزامات بين حالة وأخرى، يضاف لذلك النصائح العلنية المتعلقة بطرق ادارة استثمار بسوق المال من خلال وضع تقسيمات وتفصيلات معقدة والمعني أصحاب المحافظ الصغيرة بحجم عشرات او مئات الالاف والتي لا يمكن بعثرتها بهذه الطريقة القائمة على تجزىة المجزأ وتقسيم المقسم فسوق المال هو للاستثمار المتوسط والطويل الأمد أي لسنوات طويلة.
وتختلف المراكز في المحفظة بحسب عمر الشخص واحتياجاته، أما من يبحث عن المضاربة فهذا شأن مختلف موجود بكل الاسواق المالية والعقارية والسلع والعملات وله قواعد عمل ويحتاج لخبرات مناسبة نظراً لارتفاع المخاطرة في المضاربة فالدراسات تثبت ذلك؛ حيث تقول إحداها وقد أجريت في فرنسا ان من بين كل عشرة الاف مضارب خصوصا اليوميين او الأسبوعيين هنالك واحد فقط يربح، وتقول احدى قواعد المضاربة بالاسواق وراء كل صفقة رابحة اخرى خاسرة إذا افرط المضارب بالثقة بنفسه عندما يكسب من صفقة فيقوم بزيادة صفقاته، وهو ما يعرضه للمخاطر والخسائر نظراً لسرعة تقلبات الأسواق اليومية.
النصائح الشعبوية هي ورطة اضافية ويجب الحذر منها حتى لو كان من يطلقها نيته حسنة ويعتقد انه ينبه الناس لما يحقق لهم مكاسب وفرص لتنمية اصولهم واستثماراتهم لكن على المتلقي ايضاً مسؤولية اذا استمع لها دون ان يبدا بطرح الاسئلة ويستكشف تجارب غيره ويذهب للجهات المسؤولة عن الانشطة الاقتصادية او الشركات المرخصة والخبرات التي يعتد بها لأخذ أكبر قدر من المعلومات؛ ففي مجال تأسيس المشاريع أسست الدولة عدة جهات مثل هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبنك منشآت وكذلك برنامج ندلب لدعم الصناعات وغيرهم الكثير وذلك لتقديم الخدمات والمعلومات والارشادات عند الرغبة ببدء تأسيس أي مشروع تجاري أو خدمي أو صناعي للمساعدة على زيادة فرص النجاح وتخفيف أثر التحديات التي تواجه المشاريع ببداية عملها.
التعليقات