حمود أبو طالب

عندما عاد جراح الأطفال السعودي الدكتور عبدالله الربيعة إلى وطنه محمّلاً بالعلم والخبرة والشغف والطموح بدأت في المملكة تجربة طبية فريدة وقصة إنسانية مثيرة تمثلت في بداية عمليات فصل التوائم الملتصقة، وهي عمليات صعبة ومعقدة تحتاج إلى كوادر طبية في عديد من التخصصات، وتجهيزات فنية متطورة، وتحضيرات طويلة للتوائم قبل العمليات ومتابعة أطول بعدها، ودعم نفسي واجتماعي لعائلاتهم. لفت النجاح السعودي في هذا المجال الأوساط الطبية في الخارج بعد الداخل، وبدأ عدد حالات الفصل يزداد، وكانت نقطة التحول التأريخية عندما تم إنشاء البرنامج الوطني للتوائم الملتصقة عام 1990 ليصبح الأول من نوعه في العالم العربي والشرق الأوسط، ومع التجربة المتراكمة أصبح من أفضل البرامج في العالم، ليكون الآن مركزاً رائداً عالمياً متميزاً في هذا المجال.

اليوم، وبعد 34 عاماً من الخبرة، تبدأ في الرياض فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الذي ينظمه البرنامج الوطني بعد تمكنه من إجراء أكثر من 60 عملية فصل ناجحة حتى الآن، ومراجعة 136 حالة من 26 دولة، إضافة إلى تقديمه رعاية طبية شاملة وخدمات دعم مستمرة للتوائم الملتصقة وأسرهم. في هذا المؤتمر سيجتمع حشد من الخبراء المتخصصين في مجال فصل التوائم الملتصقة من كل أنحاء العالم، إضافة إلى المنظمات الإنسانية التي تركز على صحة الأطفال وحمايتهم، مثل اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة أطباء من أجل السلام، سوف يتبادلون التجارب والخبرات والمعرفة، ويناقشون التحديات ويبحثون سبل تحقيق نتائج أفضل لتحسين جودة الحياة بشكل عام، كما سيركز المؤتمر على تطوير المعرفة الطبية، وتعزيز التعاون، ومعالجة الاعتبارات الأخلاقية، وتقديم الدعم للمهنيين الطبيين والتوائم الملتصقة وأسرهم. لكن المثير في هذا المؤتمر هو مشاركة بعض التوائم الذين تم فصلهم بواسطة البرنامج وأسرهم لعرض تجاربهم وحكاية قصصهم الملهمة، مواليد ملتصقون كانت فرصة حياتهم ضئيلة، حملتهم أيادي الإنسانية إلى المملكة لتقدم لهم أفضل رعاية طبية، دون اعتبار لدين أو مذهب أو عرق أو طائفة أو لون أو جنسية، جاؤوا من كل أنحاء العالم والألم واليأس يغشاهم، وعادوا إلى بلدانهم على أجنحة الأمل والتفاؤل بحياة جميلة مكللة بالصحة، وها هم يعودون اليوم إلى الرياض بعد أن كبروا كي يحدثوا العالم عن تجاربهم.

لقد أصبح البرنامج الوطني السعودي للتوائم الملتصقة منارةً إنسانية تشع في أرجاء العالم كجزء من التزام المملكة تجاه المجتمع الإنساني بتقديم الدعم لكل المحتاجين، يقوده فريق ضخم من الكوادر السعودية في كل التخصصات، الطبية والتمريضية والفنية والإدارية والخدمات الاجتماعية والنفسية وغيرها مما له علاقة، وبدعم لا محدود من الدولة، وإذا كان البرنامج يعكس التطور الطبي المتميز الذي وصلت له المملكة خلال فترة قياسية من الزمن فإنه أيضاً يمثل صورتنا الإنسانية لدى مجتمعات العالم.