وقعت تحت يدي إصدارات عدة للمهندس ومخطط المدن، الأستاذ عبد الله بن محمد السليمان، منها «الرياض مسيرة التطور العمراني والحضري»، ويقع في جزأين، وإصدار عن قصر الحمراء بالرياض، وإصدار خطه بيده خالد بن أحمد السليمان وتوفي رحمه الله قبل أن يُطبع، وعنوان الإصدار «عطاء الأقلام في المستدرك على الأعلام».

فقام الأستاذ عبد الله السليمان بمراجعته وتحريره وإعداده حتى يرى النور، والحقيقة أن الأستاذ عبد الله قام بجهد جبار في إصدار هذه الكتب واعتمد على الوثائق بمختلف أنواعها، وكان دقيقاً جداً حتى إنه حينما ينقل رأياً من مصدر يذكر أن المصدر لم يورد وثيقة تدعم هذا الرأي، والإصدارات مليئة بالصور الواضحة التي توحي بأن الأستاذ عبد الله قد بذل جهداً مضنياً للحصول عليها.

أهمية الإصدارات أنها وثقت لمواقع وشخصيات وأحداث تاريخية وقعت في السعودية، وللأسف بعض هذه الآثار المهمة أزيل، ورغم الأهمية التوثيقية والتاريخية للإصدارات فإن هناك فائدة مهمة قد تكون جاءت عرضاً ولم يقصدها ابن سليمان، هذه الفائدة هي الحفاظ على ما تبقى من آثار، ومحاكاة ما اندثر وإعادة تصميمه؛ بحيث تصبح مزارات سياحية.

وأزعم أني زرت أكثر من نصف العالم، من أستراليا إلى الصين، إلى أميركا الشمالية، مروراً بأوروبا وأفريقيا، وكثيراً من دول قارة آسيا، وأحياناً أقرأ عن أثر ما في دولة أو أسمع عنه، وحينما أزوره أجده دون ما ذكر فأتذكر آثارنا وعدم العناية بها، فأرجو أن يتم الحفاظ عليها لتشكل قصة تروى للسياح.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، زرت مدينة دبلن مع أسرتي وكان ذلك عام 2003. في وسط المدينة هناك حافلة مخصصة للسياح مزودة بمرشد سياحي، وقيمة التذكرة ليوم واحد 58 يورو للفرد الواحد، وتعادل 261 ريالاً في وقتها، وتمر بك على متاحف المدينة ومعالمها، وبعضها تدخله مجاناً وأكثرها برسوم، وللحقيقة معظمها لا يستحق الزيارة، ولكنهم أجادوا تسويقها.

من هنا تأتي أهمية إصدارات ابن سليمان في تحديد المواقع والأحداث التي مرت بها، والشخصيات التي صنعت التاريخ، في وقت اهتمت فيه الدولة بالسياحة في ظل القيادة الحكيمة ورؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الاهتمام بقصر الحمراء، وجعله مزاراً، وحوله فندقه وغير ذلك مما يحتاج إليه الزائر.

وفي هذا السياق، دعوني أحدثكم بقصة، ففي منفوحة وهي بلدة بقرب الرياض، والآن أصبحت حياً من أحيائها، يقع بيت الشاعر الجاهلي الأعشى، وللحفاظ على بيت الشاعر من التخريب دون وضع حراسة أشاع أهل منفوحة أن بيت الأعشى مسكونٌ بالجن وذلك حتى لا يقترب منه أحد، وفعلاً ظل موجوداً إلى ما قبل أربعين سنة، حيث أزالته جهة حكومية غير مُقدِّرة للأثر التاريخي.

أرجو محاكاة بيت الأعشى ورواية قصته حينما أراد أن يسلم، فذهب لمكة، فاعترضته قريش، وقالت له إن الإسلام يحرم الزنا، فقال انتهيت منه، فقالوا له إنه يحرم القمار، فقال انتهيت منه، فقالوا له إنه يحرم الخمر، فقال أعود لمنفوحة وأرتوي منه وأسلم العام المقبل. تقول الرواية إنه حينما عاد إلى منفوحة سقط من ناقته فدقت عنقه، وأنتم تعرفون شعر الأعشى وقصصه، فلو رُصدت لوجد فيها السياح ثقافة مختلفة قد تعجبهم.

هذه الآثار هي رافد اقتصادي، وزيارتها ممتعة إذا خدمت بمرشدين سياحيين وزودت بالصور والوثائق، وعلقت لوحات تعريفية بالمكان وشخوصه وأحداثه، ففي كل شبر من عالمنا العربي أثر وقصة، فأنت تسير على أرض الديانات السماوية الثلاث، فأرجو أن تتطور العناية بالآثار في عالمنا العربي. ودمتم.