نشأتِ الكتابةُ في الإسلاميات في مصرَ متأخرةً قليلاً عن تاريخ نشأتِها عند مسلمي الهند. فهي في مصرَ نشأت في أواخر القرنِ التاسعَ عشر. العامل الذي كانَ وراء نشأتِها في مصر هو العامل نفسه الذي كان وراء نشأتها عند مسلمي الهند. هذا العامل هو مجابهة تحديات جديدة تواجه الإسلام، بغرض الدفاع عنه وعن المسلمين بلغة العصر الحديث.

إلى عام 1928، كان الذين كتبوا مقالات وألّفوا كتباً في مجال الإسلاميات، كانوا - حصراً - مسلمين وأصحاب توجه إسلامي إصلاحي. هذا إذا استثنينا جرجي زيدان (ت 1914) الذي هو من جهة الديانة مسيحي، ومن جهة التوجه ليبرالي.

في عام 1928 صدر للمثقف الليبرالي أحمد أمين كتاب كان عنوانه «فجر الإسلام» لم يكن حافزه في تأليفه ذلك العامل الذي ذكرناه، ولا هو كان محكوماً به، فغايته من تأليفه هو أن يؤرخ للثقافة الإسلامية في عصور مضت من تاريخ الإسلام.

هذا الكتاب هو أول كتاب علمي منهجي في مجال الدراسات الإسلامية من تاريخ نشأتها في مصر.

أتبع أحمد أمين كتابه «فجر الإسلام» بكتاب ثانٍ هو كتابه «ضحى الإسلام» الذي صدر جزؤه الأول عام 1933، وصدر جزؤه الثاني عام 1935، وصدر جزؤه الثالث عام 1936. وكان ثالث كتبه في التأريخ للثقافة الإسلامية، كتاب «ظهر الإسلام» الذي صدر جزؤه الأول عام 1945، وصدر جزؤه الثاني عام 1947.

ومع أن الجزء الثالث والرابع من هذا الكتاب قد صدرا بعد صدور كتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» الصادر في عام 1949، فإنني سأذكر عامي صدورهما.

الجزء الثالث من كتابه «ظهر الإسلام» صدر عام 1952. والجزء الرابع صدر عام 1955. وهذا الجزء صدر بعد وفاته في عام 1954.

في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي دبَّ في حقل التأليف الإسلامي نشاط ظاهر، كان للمثقفين الليبراليين نصيب وافر منه. ومن مظاهر هذا النشاط الظاهر أن أقبل شباب جامعي على تنفيذ مشروع ضخم من أول الثلاثينات الميلادية ألا وهو ترجمة «دائرة المعارف الإسلامية» أو «إنسكلوبيديا الإسلام» التي كتبها طائفة من المستشرقين ونشروها على توالي السنين في كتيبات، وزادوا على ذلك أن أنشأوا على ضفاف هذا المشروع الضخم مشروعاً صغيراً اسمه «أعلام الإسلام» انطوى على فهم رحب لصفة «الإسلامية».

وعلى صعيد أكاديمي ومنهجي قرر مجلس إدارة الجامعة المصرية عام 1937، أن ينشئ معهداً جديداً للدراسات الإسلامية، يلحق بكلية الآداب.

أجيال في مصر وفي العالم العربي تعرف فحوى الدراسات الإسلامية عند الإسلاميين، ومن لم يقرأها منهم قراءة حرة، فقد تلقّاها سماعاً اضطر لقراءتها في مذكرات أساتذتها الإسلاميين، رغم أنفه في الجامعة تحت اسم «دراسات إسلامية» أو «ثقافة إسلامية» أو «نظام الإسلام»، وبخاصة في السعودية التي كانت معدّلات الأسلمة في تعليمها ما قبل الجامعي وفي تعليمها الجامعي وفي الدراسات العليا أعلى من أي بلد عربي آخر.

وحتى خارج الجامعات ثمة أجيال في مصر وفي العالم العربي تعرف فحوى ما يقول الإسلاميون، إن لم يكن عبر العين القارئة، فعبر الأذن السامعة، فلقد ملأ الإسلاميون البر والبحر في بلدانهم بأفكارهم وتصوراتهم وأقوالهم.

لذا أرى أنه من الأهمية بمكان أن تطلع تلك الأجيال الجامعية وغير الجامعية على التصور الليبرالي للدراسات الإسلامية، قبل أن يجتاحها الإسلاميون اجتياحاً مغولياً، أدى بالأخير إلى الهبوط بهذا التخصص إلى الحضيض، وإلحاق سوء السمعة باسم «إسلامية» سواء أكانت ملحقة كوصف بدراسة أم ثقافة، لربط هذا الاسم بالتطرف والإرهاب. وما من شك أن إسلاميات التيارات الدينية هي المسبّب الأساسي للتطرف والإرهاب في العالم العربي، لا العامل السياسي ولا العامل الاقتصادي ولا العامل الاجتماعي، كما كان كثرة من الباحثين والمثقفين من عقود طويلة، تردد وتجادل في علة تطرف الإسلاميين وإرهابهم.

الاطلاع على ذلك التصور يكون بإيراد نص قرار مجلس الجامعة المصرية بإنشاء معهد للدراسات الإسلامية، فهاكم النص كاملاً:

«وقد نص في مشروع تنظيم المعهد الجديد أن الغرض من إنشائه، تمكين الأساتذة والطلاب من العناية المنظمة بالعلوم الإسلامية من طريق الدرس والبحث ونشر النصوص القديمة. ومن طريق التأليف والترجمة أيضاً، وتبيين ما كان صلة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وأما العلوم التي ستدرس في هذا المعهد فهي القرآن الكريم وما يتصل به، والفقه وأصوله، والتاريخ الإسلامي وعلومه، واللغة العربية وعلومها وصلتها بالدين الإسلامي، واللغات الشرقية الإسلامية وآدابها من حيث صلتها بالدين الإسلامي. وسيعتبر المعهد من المعاهد العالية ولا يلتحق به إلا من يحمل ليسانس الآداب، أو ما يعادلها. ومدة الدراسة فيه سنتان، وسيجري على قاعدة التخصص، فيتخصص الطالب في إحدى المواد المذكورة ويتقدم إلى نيل الدبلوم برسالة في مادته.

وهذه خطوة موفقة في الواقع. فقد كانت الدراسات الإسلامية في الجامعة مشتتة مبعثرة، ولم تكن برامج كلية الآداب المقتضبة لتسمح بالتوسع في هذه الدراسات إلى الغاية المقصودة، وكان مما يبعث على الأسف أن نجد في كثير من الجامعات الأوروبية الكبرى معاهد خاصة بالدراسات الإسلامية ولا نجد لها في جامعتنا المصرية نظيراً. نعم إن هذه العلوم التي ستدرس في المعهد الجديد يُدرّس معظمها في الجامع الأزهر، ولكن الدراسة الأزهرية لهذه العلوم لا تجري على القواعد العلمية الحديثة ولم تحقق حتى اليوم آمال أنصار الثقافة الإسلامية في ميدان التخصص المستنير والتحقيق العلمي الصحيح».

من مزايا الطبعة الأولى لكتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» أنها ضمّت صفحة وربع صفحة تضمنتا قائمة بمراجع كتابه، وهما اللتان حذفهما من الطبعات اللاحقة.

وسأقدم ملحوظات على قائمة مراجعه. وللحديث بقية.