محمد خالد الأزعر
في انتخابات الرئاسة الأمريكية للعام 2016، حصل دونالد ترامب على 24% فقط من أصوات الناخبين اليهود. كانت تلك النتيجة موافقة تماماً لتقليد انحياز هذه الشريحة للحزب الديمقراطي، لكن قيل لاحقاً إن الزعيم الجمهوري العنيد لم يقتنع بهذا التبرير، ومضى يراهن على أن الطريق إلى قناعات الناخب اليهودي يمر عبر اسرائيل.
كان الاستناد إلى هذا الاعتقاد وسيلة سهلة لتفسير العطايا والهبات، التي منحها ترامب لإسرائيل خلال ولايته الأولى. بمعنى أن الرجل، بزعم البعض، بلغ من السخاء مع هذه الدولة حد إكرامها بسياسات ومواقف، لم يجرؤ على اتخاذها أي رئيس أمريكي، جمهورياً كان أم ديمقراطياً ؛ منذ نشأتها عام 1948..
ذلك ليس فقط استمراراً لنهج الانحياز الأمريكي لتل أبيب، وإنما أيضاً وأساساً لأجل إحداث تحول نوعي فارق في المشهد الانتخابي اليهودي، يعظم فرصه في الفوز بولاية ثانية.
هذا التصور باء إلى حد بعيد بالفشل في انتخابات 2020، حين نال ترامب 30% من أصوات اليهود. ولم تكن زيادة الـ 6% قياساً بالنسخة السابقة بالمكافأة المناسبة لرجل استبسل في إرضاء «الدولة اليهودية».. الأمر الذي أثار اغتياظه، معتبراً أنه تعرض لمكيدة «من هؤلاء اليهود، الذين لم يصوتوا له، ويجب أن يخضعوا لفحص عقلي».
مقاربة ترامب للناخبين اليهود بشيء من صلابة الرأس، أخفت عنه حقيقة ميل أصواتهم إلى الثبات والاصطفاف خلف المرشحين الديمقراطيين، بنسبة لم تقل خلال الأربعين عاماً الماضية عن الثلثين، والأهم أنه ربط خطياً بين سياساته ومواقفه الإسرائيلية، وبين خيارات هذا الصوت.
لقد اعتقد أن أحانين اليهود وعواطفهم تجاه إسرائيل، هي المحدد الأبرز في تعيين أولوياتهم وخياراتهم السياسية في بلاده. ومؤدى ذلك، أنه تحرك تجاههم من منظور أنهم يهود، ثم أمريكيون تالياً.
ولو أنه قرأ ملياً قائمة اهتماماتهم والخط البياني لتصويتهم، لانتهى إلى العكس، وبالمناسبة، ربما كانت قطاعات من المعنيين العرب بحاجة لمثل هذا الدرس.
من المفارقات اللافتة بين يدي حملة انتخابات 2024، أن مكابرة ترامب، ساقته إلى الاستعصام بتقديره المنحرف، وتجريب المجرب.. إذ عاد إلى تذكير الناخبين اليهود بأفضاله على إسرائيل، وتفاخر أمامهم بمكالماته شبه اليومية مع «الصديق الحميم نتانياهو».. بل وأنذرهم بأن إسرائيل ستزول إذا فازت مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس، وكانت النتيجة أنه لم يحصل سوى على 31% من أصواتهم.
قبل يوم حسم هذه الانتخابات بأسبوعين فقط، أظهر استطلاع للرأي أن 80% من الأمريكيين اليهود يدعمون مرشح الحزب الديمقراطي، ويؤيدون الطريقة التي تعامل بها بايدن مع إسرائيل وأن هذه الدولة، رغم تعاطف 62% منهم معها، لا تقع ضمن أولوياتهم الرفيعة.
وأن سلم هذه الأولويات يتطابق، كلياً تقريباً، مع تفضيلات سواد مواطنيهم الأمريكيين، المنشغلين بشدة بهموم الداخل. ومع ذلك، لم يستدرك ترامب ولا عدل خطابه ولا بوصلته، متجاهلاً القانون الذي يقول بأنك لا يمكن أن تحصل على نتيجة مختلفة من المقدمات والشروط ذاتها.
على الرغم من الدعم الاستثنائي الذي بذله لإسرائيل، أثناء ولايته الأولى، علاوة على وعوده ووعيده لها أبان حملته الانتخابية الأخيرة، التي اختتمت بفوزه الكاسح، لم يفلح ترامب في تحقيق الاختراق التاريخي الذي أراده، بتأليف قلوب أكثرية الناخبين اليهود حول الحزب الجمهوري.
والمدهش من ناحية أخرى، أن المؤازرة منقطعة النظير، التي بذلتها إدارة بايدن الديمقراطية لإسرائيل، في لحظة توصف بالحساسة بالنسبة لوجودها بعد أحداث 7 أكتوبر وتفاعلات حرب غزة، لم تنعكس بدورها إيجابياً على مواقف هؤلاء الناخبين إذ إنهم صوتوا لصالح المرشحة الديمقراطية هاريس بنسبة تقل بـ3% عن تلك التي منحوها لسلفها بايدن قبل أربعة أعوام (67% مقابل 70% على التوالي)!
ظاهر الحال الآن أن ترامب، الذي ضمن العودة المظفرة إلى عرش البيت الأبيض، ألقى خلف ظهره تجاربه الذاتية غير الموفقة مع اليهود.. وهناك ما يؤشر إلى أنه لا يضمر مطلقاً معاقبة إسرائيل بجريرة هذه التجارب!.. من ذلك بلا حصر، تعييناته لمساعديه وفريقه الرئاسي، الذين وصفتهم صحيفة «جيروزالم بوست» بفريق أحلام إسرائيل وأمريكا معاً. كاتب وأكاديمي فلسطيني
التعليقات