خالد بن حمد المالك
عبر الشعب اللبناني عن فرحته بوقف إطلاق النار مع إسرائيل، حفاظاً على ما بقي في هذا البلد الجميل المنكوب من مبان لم تصل إليها قوات العدو الإسرائيلي لتحولها إلى أنقاض، وفي المقابل عبّر من بقي من حزب الله عن انتصار في حربه مع إسرائيل، برفع أعلام الحزب، وعلامات النصر، وهم في اتجاه العودة إلى منازلهم في الجنوب التي طردوا منها.
* *
الحروب دائماً ما تنتهي بفائز وخاسر، نسبة للتفاوت في القوة بين الجانبين، وبناء على موازين القوى التي يتفوق فيها طرف على الآخر، وعند المقارنة مما آلت إليه الحرب بين حزب الله وإسرائيل، لا نجد ما فيه مجالا للمقارنة، فقد وصل عدد ما أصيب أو قتل في لبنان أكثر من عشرين ألفاً، بعضهم من عناصر حزب الله وقياداتها، وبعضهم الآخر من اللبنانيين الأبرياء.
* *
بينما خسائر إسرائيل محدودة، ومكاسبها كبيرة، فقد قتلت أغلب قيادات الحزب، وفي مقدمتهم الأمين العام حسن نصرالله، وأزالت الكثير من مواقع الحزب الإستراتيجية، ومخازن أسلحته، وأجبرته على التخلي عن التواجد على الحدود مع إسرائيل، وعلى القبول بشروط العدو الإسرائيلي لإيقاف وقف إطلاق النار، وقضت على كثير من سلاحه، ومنعت في المستقبل المنظور أي إمداد له من الأسلحة.
* *
وبهذا فقد أضعفت إسرائيل حزب الله، وجعلته يتراجع عقوداً من الزمن، ولن يكون بإمكانه ومقدوره بعد اليوم إطلاق رصاصة على إسرائيل، أو التفكير في دخول حروب معها وإلا عرّض لبنان إلى مزيد من الخسائر، ويصير الحزب إلى المستقبل المجهول، وسيحتاج الحزب إلى سنوات لتنظيم صفوفه بعد انهياره، لكنه لن يكون حزب مقاومة كما كان يحلو القول بها لدى حسن نصرالله في خطاباته، ولن يكون وصياً على لبنان للدفاع عنه.
* *
وحزب الله في ضوء هذه التطورات غير المتوقعة يحتاج إلى مراجعة لوضعه الآن، وعليه أن يستفيد من دروس هذه الحرب، فيتحول إلى حزب سياسي، ويترك الدفاع عن لبنان، وحماية حقوقه للجيش الوطني، وأن يكون على معرفة بما يجب أن يكون عليه مستقبلاً، فهو اليوم غيره بالأمس، وهو غداً عليه أن يتغير وألا يكون كما كان بالأمس.
* *
على أن قبول حزب الله بوقف إطلاق النار مع كل هذه الخسائر التي تعرّض لها هو قبول منطقي، لأن الخيار مع استمرار الحرب تدمير لبنان، والقضاء على حزب الله، وقتل المزيد من الناس الأبرياء، وفي النهاية الاستسلام بعد أن يكون لبنان غارقاً في الدماء بفعل عدو مجرم لا يرحم.
* *
يجب أن يكون العمل على محو آثار هذا العدوان بأن يتحول حزب الله نشاطه من جهد عسكري إلى مدني، ومن حروب إلى سلام، ومن إمساك بمفاصل الدولة إلى تعاون معها لتحسين المعيشة والاقتصاد والأمن والاستقرار، وهذا ما يجب أن يقوم به حزب الله.
* *
الآن أمام اللبنانيين استحقاقات مهمة، أبرزها اختيار رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بدلاً من حكومة تصريف الأعمال، والتوافق بين الأحزاب على ما يخدم لبنان، تضامناً مع الحكومة، ومجلس النوب، ومع جميع اللبنانيين، من شهر واليوم التاسع المحدد لاجتماع مجلس النواب لاختيار رئيس الجمهورية يجب أن يكون الاجتماع الأخير للإعلان عن الرئيس.
* *
ولا تنسوا أيها اللبنانيون، أهمية أن تعودوا إلى الحضن العربي، إلى من كان سندكم، ووقف معكم، ولا يريد منكم إلا أن تكونوا أكثر حرصاً على بلادكم، وأقرب إلى إخوانكم العرب، لصالحكم، ومن أجل مستقبلكم، فابتعادكم عنهم، جعلكم في حالة ضياع، وكانت نتيجتها هذا العدوان الإرهابي الأحمق للجيش الإسرائيلي على لبنان، وهذه السياسة الرعناء التي كان يمارسها حزب الله.
التعليقات