قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية يتجدّد سنوياً لإضافة، أو لإعادة تعريف، مليون و65 ألف كلمة مستخدمة تدويناً وشفهياً. ومن ألف كلمة وتعبير أضيف هذا العام، كان أكثرها تداولاً في 2024 تعبير «برينروت». التعبير مكون من كلمتين «Brian» وتعني المخ، والدماغ، وأحياناً تشغيل العقل؛ و«Rot» كفعل تعني التهاوي، والتحلل، والتدهور، والتعفن (كما في الكيمياء البيولوجية).

«برينروت» في تفسير قاموس أكسفورد: التدهور في الحالة الذهنية، خاصة الإسراف في استهلاك المعلومات عديمة القيمة (تُسمى في مصر «هايفة» ولا تتطلب تشغيل العقل).

أستاذ اللغويات البريطاني، البروفسور آدم كوبر يرى أن الكلمات الأكثر تداولاً، حتى لو من باب السخرية، هي مرآة للمجتمع؛ وتعبير «برينروت» أصبح في العقل الجماعي الأكثر تداولاً، لأن الأجيال الجديدة، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا تستخدم ملكات الذهن بقدر ما تعتمد على التكنولوجيا.

تذكرت «برينروت» والإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا صباح الخميس، عندما اضطرت المجموعة الصحافية البرلمانية إلى الانتقال لأكثر من 36 كيلومتراً إلى استوديوهات «بينوود» عالية التكنولوجيا، والتي تصور فيها أفلام عميل المخابرات السري «007» جيمس بوند. بوند بدوره تحوّل إلى وسيلة كلامية لرئيس الحكومة، السير كير ستارمر، في محاولة إطلاق بعض الفكاهات وتعبيرات «خفة ظل» لم يضحك لها الصحافيون المرهقون من رحلة ساعتين. فقط طرب لها (أو هكذا حاولت وجوههم إعطاء الانطباع) معظم الوزراء الذين جلسوا في الصفوف الأولى يصفقون للزعيم في ظاهرة «عالمثالثية» غير مألوفة في المشهد البريطاني، باستثناء مؤتمر الحزب الحاكم السنوي، أو الحملة الانتخابية التي انتهت منذ خمسة أشهر.

الغرض من الاستعراض و«جرجرة» الصحافيين إلى استوديوهات جيمس بوند كان لإعلان الزعيم البريطاني عن خطة سياسة جديدة للتغيير و«إصلاح العيوب والخلل الاقتصادي، وأزمة الإسكان، وتراجع خدمات الصحة والرعاية الاجتماعية التي تسبب فيها حكم المحافظين»، وفق قوله في مؤتمر صحافي تصادف مع آخر استطلاعات الرأي.

الأرقام وضعت حزب الإصلاح (24 في المائة)، وعمره ثلاث سنوات فقط، متقدماً على حزب العمال الحاكم (23 في المائة)، الذي جاء في المركز الثالث، في حين حزب المحافظين المعارض عاد للمركز الأول (26 في المائة) للمرة الأولى لأكثر من عامين.

وإذا ما قارنا هذه الأرقام بربيع 2020، أي خمسة أشهر بعد انتخابات 2019 العامة، كان حزب الحكومة (المحافظين) في المركز الأول (52 في المائة) وحزب العمال المعارض في المركز الثاني (30 في المائة) والديمقراطيون الأحرار (9 في المائة).

شعبية ستارمر (بمقياس ثقة الشعب بقدرته على قيادة البلاد بكفاءة) انخفضت إلى ناقص 38، أي 38 نقطة تحت الصفر، مقابل ناقص 5 لزعيمة المعارضة المحافظة كيمي بيدينوك (أي تسبقه بـ33 نقطة).

وبالمقارنة بخمسة أشهر بعد انتخابات 2019، كانت شعبية الثقة العامة ببوريس جونسون كرئيس للحكومة (52 في المائة) بينما الشعبية بالمقياس نفسه لزعيم العمال المعارض اليساري جيريمي كوربين (19 في المائة)؛ أي أن الزعيم العمالي (2015-2020) الذي رآه الرأي العام البريطاني «يسارياً متطرفاً» سبقت شعبية الثقة بستارمر، كرئيس حكومة بعد خمسة أشهر من الانتخابات بـ(57) نقطة.

وللمقارنة، شعبية الثقة بتوني بلير (تزعم العمال من 1994-2007) كرئيس حكومة بعد خمسة أشهر من انتخابات 1997 كانت (72 في المائة)، أي يفوق ستارمر الذي يحاول يائساً تقليد بلير، بـ(110 نقاط). بل إن شعبية رئيس الوزراء العمالي الراحل جيمس كالاهان (1912-2005) قبل فقدان حكومته الثقة في ربيع 1979 كانت (41 في المائة) مقابل (43 في المائة) لزعيمة المعارضة الراحلة الليدي ثاتشر (1925-2013)، والتي فازت في الانتخابات العامة بعد شهرين، بأغلبية برلمانية، بزيادة مقاعد المحافظين 62 وخسارة العمال 50 مقعداً.

انتظرنا بصفتنا صحافيين الخطة السياسية لرئيس الوزراء تحت شعار «التغيير»، فأعلن عزمه بلوغ ستة أهداف قبل انتهاء حكومته برلمانياً في 2029: رفع مستوى المعيشة، وبناء مليون ونصف مليون مسكن جديد، وإنهاء قائمة الانتظار الطويلة في مستشفيات الصحة العامة، وتوفير سبل أفضل بداية حياة للأطفال، وتأمين مصادر الطاقة الوطنية، وزيادة عدد أفراد البوليس في الأحياء السكنية. والأهداف التي يبدو نصفها شعارات في مرحلة «برينروت» سياسة سطحية، وليست خطة استراتيجية يمكن مقارنة فرصها في النجاح أو الإخفاق بسياسات حكومات متعددة سابقة، رغم تشبث ستارمر بتلابيب العميل السري «007» وتكنولوجيته.