تسعى إسرائيل كعادتها إلى ممارسة طبيعتها التوسعية التي تأسست عليها، والتي تُعدّ ركيزة أساسية في عقيدتها وأبجديتها حتى ما قبل تأسيسها عام 1948 من قبل ميليشياتها، إذ إنها تعمل على إضعاف خصومها عبر استغلال الثغرات للولوج من خلالها، في ظل هاجس اليد العليا الذي تحاول الحفاظ عليه دائماً، ولو تطلب ذلك احتلال أراضٍ جديدة، أو تهجير قرى ومدن، أو تنفيذ إبادة جماعية، أو زعزعة الاستقرار في دول وتنفيذ اغتيالات.

لم تكتفِ إسرائيل بتدمير غزة وتحويلها إلى بقعة غير قابلة للعيش، إضافة إلى قيامها بالقتل الممنهج لشعبها الأعزل، في أسوأ إبادة جماعية على رؤوس الأشهاد، أو نسف البنى التحتية في لبنان، وقتل الآلاف فيه، بل اتجهت الآن إلى سوريا لتنفيذ اعتداءات مخطط لها مسبقاً، إذ دمرت كل المقدرات العسكرية للدولة السورية، ثم احتلت الجزء المقابل من جبل الشيخ وتوسّعت في هضبة الجولان، وبدأت تتمدد إلى عمق الأراضي السورية، مستغلة حالة الإرباك في ظل انتهاء الحكم السابق، لتدشن مرحلة جديدة من الاحتلال لدولة مجاورة، ضاربة باتفاق هدنة عام 1974 عرض الحائط، بل إن الحكومة اليمينية رصدت أموالاً لتعزيز الاستيطان في المنطقة، إضافة إلى تهجير العديد من القرى المحاذية للحدود، بحجة حفظ أمنها.

إسرائيل ترى نفسها بقعة صغيرة وتسعى إلى التوسع، تحت ذريعة المحافظة على أمنها الذي تتخذ منه حصان طروادة لإحداث اختراقات في المنطقة بغية زيادة رقعتها الجغرافية، فهي تفعل ذلك في غزة، والضفة الغربية التي قضمت معظمها، وحاولت ذلك في لبنان، والآن في سوريا، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: «إن القوات الإسرائيلية ستبقى في المنطقة العازلة على الحدود السورية، وتحديداً على قمة جبل الشيخ، حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل»، وهذا الترتيب ربما يستمر سنوات أو عشرات السنوات، إذ ستبقى تماطل حتى تصبح سيطرتها أمراً واقعاً.

لن يكبح جماح إسرائيل بالاستيلاء على ما ليس لها إلا الضغط الكبير عليها، لأنها بغير ذلك لن تتوقف أبداً عن ابتلاع أراضٍ جديدة ما وجدت لذلك سبيلاً، لذا لا بد من ظهير عربي يتخذ موقفاً صارماً من كل ما يحدث، ويُفعّل أدوات الضغط على تل أبيب وداعميها، وثمة أوراق كثيرة يمكن استخدامها، منها حشد الدعم الدولي لعزل إسرائيل، وإجبارها على أن تكون تحت القانون الدولي لا فوقه، إذ إنها ترى أن كل الشرائع والقوانين لا تسري عليها، وأنها منزهة عن المحاسبة.

ما تفعله إسرائيل يهدد السلم ويخلق مزيداً من الأزمات، وهي بعدوانها تؤسس لبيئة خصبة لاستمرار الصراع إلى ما لا نهاية، ولن يكون ذلك في مصلحة المنطقة برمتها.