محمد سليمان العنقري
دخل العام الحالي 2025 بعد أن شهد العالم تطورات متسارعة على كافة الأصعدة في العام الماضي فعلى الصعيد السياسي كان فوز الرئيس الأمريكي ترمب أهم التطورات التي شغلت العالم خصوصا القوى الكبرى المنافسة لأمريكا فقد هدد وتوعد بفرص رسوم على أهم حلفاء أمريكا إضافة للصين وهو ما تسبب بقلق حول مستقبل نمو الاقتصاد العالمي كما أن انتخابه لم يخل من احداث لم تشهدها أمريكا منذ عقود حيث تعرض لأكثر من محاولة اغتيال كادت إحداها أن تنجح حيث إن عودته للحكم من جديد سببت أرقا كبيرا لمنافسيه من الديمقراطيين الذين حشدوا كل جهودهم وإمكاناتهم لدعم مرشحتهم هاريس لكن دون جدوى بما أنها مرشح الضرورة بعد الانسحاب المفاجئ من السباق الانتخابي للرئيس بايدن الذي صنف أنه انقلاب داخل الحزب عليه بقيادة أوباما وبيلوسي كما أن تطورات الحرب الروسية - الأوكرانية باحتلال أراضي روسية إضافة لأحداث الشرق الأوسط التي ختمت بسحق قدرات وقيادات حزب الله بلبنان وسقوط النظام السوري شكلت أيضا ملامح تطورات جديدة مفصلية بالشرق الأوسط قلب العالم ومصدر طاقته.
إن ما حدث لم ينته أثره مع نهاية 2024، بل يشكل بداية لمرحلة جديدة عالميا ففوز ترمب يعني أن مرحلة كسر عظم ستبدأ بين أمريكا والقوى المنافسة لها بغض النظر هل هي حليفة تقليدية لواشنطن أو لا لما يمثله من تيار شعاره لنجعل أمريكا عظيمة فأوروبا مع موعد جديد لمواجهة حقيقة أن أمريكا لن تكون توجهاتها وقراراتها في سياق التحالف بينهما وعلى أوروبا أن تستقل بقراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية عن أمريكا تدريجيا وبخطوات أسرع من أي وقت مضى وعليهم تأسيس جيش دفاع مشترك عن قارتهم بحجم كبير وليس قوة محدودة كما أن تكاليف الأمن ونمو الاقتصاد ستتغير ارتفاعا وستضطر أوروبا للقيام بنهضة كبرى في الصناعات العسكرية وإعادة النظر بتحالفاتها الدولية لتكون في موقع يسمح لها بلعب دور دولي يتناسب مع مكانتها وتقدمها العلمي ولذلك قامت ببعض الخطوات مثل وضع لبنة أولى في بناء الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج العربي وكذلك التحرك سياسيا في سبيل أن يكون لها دور مهم في ملفات الشرق الأوسط جارها الذي يؤثر وتتأثر به وبالمقابل فهناك التنافس الأمريكي - الصيني الذي سيحسم شكله النهائي بعيدا عن المناورات السياسية بدعم تايوان لاستفزاز الصين أو فرض رسوم لكبح تفوقها بالتجارة الدولية كما يواجه الرئيس ترمب تحديا آخر وهو الحفاظ على مكانة الدولار بالتجارة الدولية وقد هدد دول مجموعة بريكس بفرض رسوم كبرى إذا ما طبقوا التخلي عن الدولار في تجارتهم البينية وهو ما يعد سابقة وتدخل بقرارات سيادية مما يعني خشية أمريكا من انهيار اقتصادي إذا ضعف دور عملتها دوليا وبذات الوقت هو إفصاح أمريكي عن مخاوف حقيقية تواجه مستقبلها في قيادة العالم اقتصاديا لذلك سيشهد العالم بداية حقبة من المواجهات بين تلك القوى مع أمريكا غير مسبوقة بحجمها وقراراتها وتموضع التحالفات والتجاذبات على كافة الأصعدة.
أما الشرق الأوسط فهو متجه للدخول بمرحلة تنموية كبرى بعد أن ينتهي المخاض الجيوسياسي فيه فكل التوجهات ستتغير في ملفات عديدة بعد أن حدث تغيير كبير في دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة فهذه القضية ستأخذ لأول مرة منحى مختلفا بإيجاد حل نهائي بعد أن سقطت مشروعات المتاجرة بها من قبل أنظمة وتيارات أسهمت بتقوية إسرائيل دولة الاحتلال أكثر من إضعافها بتدمير سوريا وكذلك إنهاك لبنان إضافة لباقي المشهد الذي يطلق عليه محور المقاومة الذي تلاشى فعليا من المشهد حيث إنه لم يكن يهدف لأي إنجاز يضعف إسرائيل سوى بالشعارات لكنه عمليا دمر الدول المنضوية تحته وحولها لفاشلة بدلا من أن تكون قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية تقف بوجه إسرائيل بما أنهم دول حدودية معها لأن أهداف من يحكمون تلك الدول كانت إقصائية وتركز على السطوة الكاملة على بلدانهم وبدون أي مشروع تنموي بل أصبحت مرتعا لصناعة المخدرات وتجارتها فهذا التغيير يعني تحولا سياسيا بتلك الدول سيظهر شكله النهائي في بحر عامين إلى ثلاثة على أبعد تقدير فلم تتغير المعادلة لتتكرر نفس الآليات التي تحكم تلك الدول، بل حتى التيارات السياسية أو الوجوه المؤثرة فيها فكل شيء سيتغير تباعا وبتسارع كبير فالشرق الأوسط متجه بنهاية المطاف لمرحلة تنموية غير مسبوقة في تاريخه ومن لا يفكر بدخول هذه المرحلة أو يتفهم أبعادها ومنافعها فسيبقى خارج القرن الواحد والعشرين وتمثل رؤى دول الخليج العربي التنموية نموذجا مثاليا للتوجهات القادمة بالمنطقة.
عام يمثل نقطة انطلاق مفصلية في العالم بالتحالفات والتنافس الدولي بعد إحداث عاصفة بدأت منذ جائحة كورونا وامتدت لأربعة أعوام حافلة بالتغيرات والتطورات غير المسبوقة بسرعتها والتي سترسم معالم عديدة في خارطة العالم السياسية والاقتصادية والتجارية والقوى المؤثرة فيها خصوصا ما سيظهر من طبيعة الحل السياسي للحرب الروسية - الاوكرانية التي ستمثل شكلا جديدا للقوى العالمية وينقل أوروبا لمرحلة مختلفة في علاقاتها الدولية وكذلك تحديد دور ومكانة روسيا عالميا وكيف ستنتقل الصين لمرحلة تتجاوز فيها تهديدات أمريكا وأوروبا بفرض رسوم على بعض صناعاتها المهمة وكذلك موقف أمريكا من التعامل مع كل هذه الأطراف ما بين تحجيم منافستهم لها وكذلك الحفاظ على لعب دور القوي المرجعي لكل الصراعات الدولية وتوجهها لبناء تحالفات عميقة قد تتناقض تصرفات واشنطن الصدامية المحتملة مع هذه المساعي لبناء التحالفات بإطار جديد.
التعليقات