سهوب بغدادي

فيما يعرف القلق الجمعي بنمط من القلق الذي يتجاوز الفرد ليصبح ظاهرة اجتماعية مشتركة وواسعة، إذ تعكس استجابة جماعية لحالة عدم استقرار أو تهديد مُدرَك، حقيقي أو خيالي، وينشأ هذا القلق في غالبية الأحوال نتيجةً لضغوط اجتماعية واقتصادية وثقافية متراكمة، وفي عصرنا الحالي المتميز بالسرعة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تعكس العديد من المفاهيم السلبية علينا وبشكل كثيف ولحظي في آن واحد، نجد أن سبب ذلك القلق قد يكون من تعرضنا لتلك المحتويات السلبية بشكل يومي، وتتنوع مجالات القلق الجمعي في المجتمعات العربية والغربية بحسب الخلفية الثقافية والبيئية والاقتصادية وما شابه، لذا نجد أن المجتمعات الغربية تصاب بالقلق الجمعي من الوحدة على سبيل المثال باعتبار أنها مجتمعات قائمة على الفردانية، والعلاقات التي تربطهم بأهليهم قد لا تكون وثيقة، أما المجتمعات العربية فنجدها قلقة من العيب على سبيل المثال لا الحصر.

ويأتي هذا الأمر من كون المجتمعات العربية تدعم الأواصر والعلاقات القريبة والوثيقة بشكل كبير انطلاقًا من الموروث الثقافي والاجتماعي، بعكس تلك المتواجدة في الغرب، فكل ظاهرة ناتجة عن اعتبارات تقع ضمن الأطر المذكورة سابقًا، وذلك على صعيد جموع المجتمعات ونزولًا إلى الجماعات الأصغر والأعمق، فإن هناك قلقًا جمعيًا في المؤسسات والجهات التي يبرز لدى موظفيها سمات القلق الجمعي، وينعكس من الظواهر الإدارية التي في نفس تلك المؤسسة كالتسرب الوظيفي، وتباعد العلاقات بين الزملاء وغيرها من المعطيات التي نراها في أماكن العمل المختلفة وشكاوى الموظفين، فيما نجد أن القلق الجمعي قد يسود عائلة دون أخرى لنفرض أن التحصيل العلمي والدرجة الأكاديمية إحدى تلك المخاوف، بالتأكيد لها جذور قديمة، إما وراثية أو اجتماعية أو ثقافية أو مادية أو جميع ماسبق.

ونأتي أخيرًا إلى القلق الفردي الذي ينهش الشخص في جنبات حياته ضمن مختلف النواحي، ويتطلب المساعدة في حال استفحاله وتطويقه للفرد ومن حوله، فالوعي بالمشكلة أحد أهم الحلول للتغلب عليها أو الحد منها ثم اللجوء لذوي الخبرة والحكمة إن لزم.

«من اعتاد على القلق، ظن أن الطمأنينة كمين»-دوستويفسكي