احيانا يظهر او يبان الانسان وكانه محامي الشيطان، رغم انه بالاصل لا يريد ان يكون محاميا لاي احد، لان مشاكله قد تكون اكثر مما يسمح له بترف التنظير عن مشاكل الاخرين. ولكن المعقد في الامر ان ما قلته مشاكل الاخرين، بالحقيقة هي سبب مشاكلنا الخاصة، او المتعلقة بشكل مباشر بنا، وهنا اعني مرتبطة بشعبنا الاشوري الذي يعاني التهجير والاقتلاع من ارضه التاريخية مما قد يؤدي الى انصهاره وضياعه كشعب وكقضية.
كثيرة هي التحليلات او الاجتهادات التي تختصر مأساة حلب بالغرب، وبعدم رغبته القيام باي ادور. ولكن لا احد يقول لنا لماذا فقط الغرب. لماذا لا نقول روسيا مثلا، او الصين. اليستا من الدول الكبرى؟ ولكن الاهم من كل ذلك اين ارادة الاطراف الاخرى في عدم ايصال الامور في مدنهم وبلدانهم الى التدمير الذاني الشبه الممنهج؟ الغرب ليس مستعدا ان يضحي بابناءه من اجل انقاذ اناس في احسن الاحوال يسبوه ليل نهار، ويكفروه دائما، وان وقع بيدهم فانهم سيدمرونه، او سيسبون نساءه وبناته. اذا كان اهل حلب وسورية والعراق واليمن وليبيا ولبنان والسودان والصومال لا يريدون انقاذ بلدانهم ومدنهم، فلماذا نطلب ذلك من الغرب مثلا او الاخر.
لسنا في واد الدفاع عن الغرب او عن الشرق، ولكن لماذا لا تطرح الاسئلة الصحيحة؟ وعلى الناس المسؤولة حقا عن الاجابة. وهم نحن شعوب المنطقة. وبالاخص الاكثريات التي انخدعت، بانها بثرواتها التي يستخرجها لها الغربي ويسوقها الغربي ويشتريها الغربي قبل الاخر، ممكن ان تعمم وتنشر ما تريده، لانها باتت تمتلك الاموال. هناك مثل اشوري يقول المسلم ان امتلك المال، فاما يتزوج امراة اخرى او يقتل رجلا ما. وهذا المثل يتم تطبيقه، بصرف المال في امور لم نكن بحاجة اليها، لم نكن بحاجة الى حرب ايران ولم نكن بحاجة الى حرب الكويت، ولم نكن بحاجة لنعمل من اجل تخلخل الوضع الوطني العراقي، بحيث تم فك ارتباط المواطن بوطنه، ولم نكن بحاجة لتدمير المدن بما تحويه من العمارة والثروات، ولم نكن بحاجة لكي نقتل كل هؤلاء الناس في المنطقة. كنا بحاجة الى مؤسسات حوار ونقاش، كنا بحاجة لتطوير ما لدينا ولصرف اموالنا على بناء الصروح الثقافية والعلمية، كنا بحاجة لتطوير الواقع الاجتماعي لكي يتم تقبل الحريات الانسانية ولكي نكون جزء من المجتمع الدولي.
الموصل وحلب وهناك المئات من المدن الاخرى التي يتم دكها وتدميرها بايدي ابناءها او ابناء الوطن الواحد. ما الذي اوصل هؤلاء الناس الذين خرجوا من الحكم الاستعماري وهم كلهم امل بالتطور والتقدم، الى اعداء لا يمكن ان يشاركوا طاولة واحدة؟ هل سأل احدهم هذا السؤال. اقول لكم اخوتي نحن كلنا مشاركون، ولكن الاولية دائما هي لمن كان يسير دفة السلطة ويوجه الثروة.
ما الذي دفع العراقيين والسوريين والمصريين واللبنانيين والليبين وغيرهم للمطالبة بالتدخل الغربي، مالذي دفع بهم للصراخ اين حقوق الانسان، وان شارون افضل من قذافي او الاسد او صدام، الم تكن سياسات حكوماتنا التي اتت منا، او اتت باسم الاكثرية الاسلامية والعروبية؟ والتي كانت شعاراتها كلها تحمل سمات القتال والحروب والانتقام، ممن؟ من اعداءهم، ولكن كيف صاروا اعداءهم، لا احد يعلم. انهم الاعداء بالافتراض، او استنادا الى ما ورد من انهم اعداء الله، وكل من نفترضه عدو الله فهو عدونا، وبالتالي علينا محاربته، ليس فقط بالسلاح، بل برفع اسعار البترول الف او اكثر بالمائة، العالم متعطش له، فهو سيشتري، ولكن الغرب الذي رغبنا في تركيعه، لم يخسر، لانه بكل بساطة اضاف السعر الجديد الى منتوجاته من الاسلحة والى الابرة التي كنا نشتريها منه.
الحلب تدمر، الحلب تدك، ولكن الحلب هي كل مدينة في المنطقة لانه مصيرها، فما شاع فيه الحقد والكره لن ينبت منه خضار وثمار، والحقد الذي وجه للغرب في اوله بحجة كونه عدو الله، استشرى ليتحول الى حقد داخلي، حقد مقيت على كل من يختلف، اشوريا كان، ام ازيديا، كورديا كان ام قبطيا، امازيغيا كان ام نوبيا. مسيحيا كان ام صابئيا، وبالنهاية كان الحقد يعتلي العرش ليتحول حقدا سنيا شيعيا. ان الحقد مثل النار التي لا تشبع ابدا، بل تتجه الى حيث الوقود ومهما كان الوقود، ووقودها في المنقطة كان البشر والعمران.
ان كوارث المنطقة، منها وفيها، نابعة مما تم زرعه، من ثقافة كارهة للاخر، فاتجاه الكره اوحى للبعض، ان زيادة النسل ستدعم قوتهم، مما سيسمح لهم بالسيطرة على العالم، ولكنه تحول في الداخل الى تنافس علوي سني لمن سيحكم سوريا، وهكذا راينا العلويين يقفزون من 3% في سوريا الى 11% خلال سنوات قليلة، وهكذا راينا منافسة غير معلنة بين شيعة العراق وسنته على الزيادة السكانية. ان منظورهم للقوة بقى كما كان ابان حروب توسع الاسلام، وعلى نفس المغريات، الاكثرية التي تحارب من اجل نشر الايمان، مقابل السبايا والاسلاب، وهل هناك اجمل من اللحم الابيض للغربيات.
انهم يحاربون بعضهم بعضا، بعد ان استعصى العالم عليهم، وهم في عنادهم موغلون، انهم يحاربون لاخر انسان في المنطقة، ولاخر حجر موضوع على حجر. فهل الحلب هي الوحيدة؟
- آخر تحديث :
التعليقات